موافقته بعد ذلك. أراد فرعون بهذا القول أن يموّه على الناس ؛ ليصرف وجوههم إلى نفسه ، ثم قال للسّحرة : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (١٢٣) ؛ ماذا ينزل بكم من النّكال.
قوله تعالى : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ؛) أي لأقطّعنّ أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى من خلاف ، (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٢٤) ؛ على شاطئ نهر مصر على جذوع النّخل حتى تموتوا من الجوع والعطش والألم.
قوله تعالى : (قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) (١٢٥) ؛ أي فقالت السّحرة : إنّا لا نبالي من فعلك وعقوبتك ، فإنّ مرجعنا إلى الله يوم القيامة ، فإن الحياة وإن طالت ؛ فإنّها تختم بالممات ، قوله تعالى : (وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا ؛) أي قالت السّحرة : ما تعيب علينا ولا تنكر علينا إلا لأنّا صدّقنا بعلامات توحيد ربنا ؛ لمّا ظهر لنا أنّ ذلك حقّ من الله.
ثم ألهموا الدّعاء فقالوا : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) (١٢٦) أي أصبب علينا صبرا وأنزله علينا ؛ ووفّقنا على الثّبات على الإيمان إلى وقت الوفاة. قال ابن عبّاس : (فأخذ فرعون السّحرة فقطّعهم ، ثمّ صلبهم على شاطئ نيل مصر ، وخلّى سبيل موسى وهارون ولم يتعرّض لهما). (١)
قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ؛) من القبط : (أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ؛) أي أتتركهم ليغيّروا عليك دينك في أرض مصر ويدعو الناس إلى مخالفتك ؛ فينتقض بذلك أمرك وملكك ؛ (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ؛) أي يدعك ولا يعبدك ؛ ويدع أصنامك التي أمرت بعبادتها.
قال الحسن : (كان فرعون يستعبد النّاس ويعبد الأصنام بنفسه). (٢) وقال السّدّيّ : (كان يعبد هو ما استحسن من البقر ، ومنه أخذ السّامريّ عبادة البقر). (٣)
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٦١٥) عن السدي وابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٦٢١).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٦٢٠).