معناه : ألقوا إن كنتم محقّين على زعمكم. ويجوز أن يكون أمرهم بالإلقاء لتأكيد معجزته.
قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ ؛) من يدك ؛ فألقاها ؛ (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (١١٧) ؛ أي تلتقم وتبتلع ما كانوا يكذّبون أنّها حيّات. والإفك : الكذب. وقرئ : (تلقف) بجزم اللّام خفيفة. وقرأ سعيد بن جبير : (تلقم).
قال ابن عبّاس : (لمّا كثرت حيّاتهم جعلت عصا موسى تزداد عظما حتّى سدّت الأفق ، ثمّ فتحت فاها فابتلعت جميع ما ألقوا من حبالهم وعصيّهم ، ثمّ هوت بذنبها فعلّقته برأس قبّة فرعون وهو فيها ، وفتحت فاها لتبتلعه ، فصرخ إلى موسى ، فأخذها فإذا هي عصا كما كانت. (١)
ونظر السّحرة فإذا حبالهم وعصيّهم قد ذهبت ، فذلك قوله تعالى : (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١٨) ؛ أي ظهر الحقّ وبطل ما كانوا يعملون من السّحر ، وقال النّضر بن شميل : (فوقع الحقّ) أي صدعهم وأفزعهم ، (فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) (١١٩) ؛ أي رجعوا ذليلين.
قوله تعالى : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) (١٢٠) ؛ قال الأخفش : (من شدّة سرعة سجودهم ؛ كأنّهم ألقوا ، وقد كانوا في اللّوح المحفوظ سعداء شهداء). قوله تعالى : (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١٢١) ؛ فقال لهم فرعون : إيّاي تعنون؟ قالوا : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (١٢٢) ؛ فبهت فرعون وندم على ما نالهم ، فظهر للنّاس إنّهم آمنوا بالله عزوجل.
قوله تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ؛) أي قال لهم فرعون : أصدّقتم برب موسى وهارون قبل أن آذن لكم في الأيمان ، (إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها ؛) أي إنّ هذا لشيء واطأتموه عليه حين يدّعى النّبوّة ، ثم تظهرون مخالفته في ابتداء الأمر ، حتى إذا غلبكم أظهرتم
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٦٠٦) عن ابن إسحق.