قال ابن عبّاس والسّدّيّ (١) : (لمّا فغرت فاها كان بين لحييها ثمانون ذراعا ، وضعت لحيها الأسفل في الأرض ، ولحيها الأعلى على سور القصر ، ثمّ توجّهت نحو فرعون لتأخذه ، فوثب من سريره وهرب ، وهرب النّاس وانهزموا ، وكانوا خمسة وعشرين ألفا.
فصاح فرعون : يا موسى! خذها وأنا أؤمن بربك ، وأرسل معك بني إسرائيل. فأخذها ؛ فعادت عصا كما كانت. فقال له فرعون : هل معك آية أخرى؟ قال : نعم ؛ (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) (١٠٨) ؛ أي فأدخل يده في جيبه ؛ ثم نزعها فإذا هي بيضاء لها شعاع يغلب نور الشّمس.
قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (١٠٩) ؛ أي قال الأشراف من قوم فرعون : إنّ هذا لساحر حاذق بالسّحر (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ؛) أي قال الأشراف : يريد موسى أن يستميل قلوب بني إسرائيل إلى نفسه ، ويتقوّى بهم فيقتلكم ويخرجكم من بلادكم ، (فَما ذا تَأْمُرُونَ) (١١٠) أي تشيرون في أمره. كأنّهم خاطبوا فرعون ، ويجوز أن يكون قوله : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ) من مقالة فرعون لقومه ، ويعني بقوله : (مِنْ أَرْضِكُمْ) أرض مصر. وكان بين اليوم الذي دخل يوسف فيه مصر وبين اليوم الذي دخلها موسى فيه رسولا أربعمائة عام.
قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ ؛) أي قالوا لفرعون : احبسه وأخاه إلى آخر أمرهما ، ولا تعجل بقتلهما ؛ فتكون عجلتك حجّة عليك ، (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (١١١) ؛ أي ابعث الشّرط في المدائن التي حولك يحشرون السّحرة إليك (٢).
والسّحر في اللّغة : لطف الحيلة في إظهار الأعجوبة ، وأصل ذلك من خفاء الأمر ، ومن ذلك سمّي آخر الليل سحرا لخفاء الشّخص بفيء ظلمته ، والسّحر : الرئة ؛ سميت بذلك لخفاء أمرها بانتفاخها تارة وضمورها أخرى.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٦٠٤) عن ابن عباس ، والأثر (١١٦٠٥) عن السدي.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١٥٨٩) عن ابن عباس ، والأثر (١١٥٩٠) عن مجاهد.