ومعنى الآية : (تِلْكَ الْقُرى) أي هذه القرى التي ذكرت لك يا محمّد أمرها وأمر أهلها ، يعني قرى قوم نوح وعاد وثمود ، وقوم لوط وشعيب. وقوله تعالى : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) قال أبيّ بن كعب : (معناه : فما كانوا ليؤمنوا عند مجيئ الرّسل لما سبق في علم الله أنّهم يكذّبون) (١).
قوله تعالى : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ؛) أي ما وجدنا لأكثر المهلكين من وفاء فيما أمروا به. تقول العرب : فلان لا عهد له ؛ أي لا وفاء له بالعهد. وهذا العهد المذكور في الآية يجوز ما أودع الله العقول من شكر النّعمة ؛ والقيام بحقّ المنعم ؛ ووجوب طاعة المحسن. ويجوز أن يكون ما أخذ عليهم على ألسنة الرّسل من هذه الأمور.
وقوله تعالى : (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) (١٠٢) ؛ أي إنّا وجدنا أكثرهم ناقضين للعهد ؛ تاركين لما أمروا به من الحلال والحرام. وأمّا دخول (أن) واللام في مثل هذا ، فعلى وجه التّأكيد كما يقال : إن ظننت زيدا لقائما ، وتريد بذلك تأكيد الظّنّ.
قوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها ؛) معناه : ثمّ بعثنا من بعد أولئك الرّسل الذين سبق ذكرهم موسى بدلائلنا وحججنا من العصا واليد والطّمس وغير ذلك إلى فرعون وأشراف قومه. ويعني بالرّسل الذين بعث موسى من بعدهم : نوحا ؛ وهودا ؛ وصالحا ؛ ولوطا ؛ وشعيبا.
واسم (فرعون) أعجميّ لا ينصرف ؛ اجتمع فيه العجمة والتّعريف ، وكانوا يسمّون كلّ من ملك مصر بهذا الاسم ؛ واسمه : الوليد بن مصعب ، وكان من القبط ، وعمّر أكثر من أربعمائة سنة. قوله تعالى : (فَظَلَمُوا بِها) أي جحدوا بالآيات. وسماه ظلما لأنّهم جعلوا بدل وجوب الإيمان بها الكفر ، وذلك من أبين الظّلم.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٥٠٧ ؛ قال السيوطي : ((أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بن كعب. وذكره بلفظ قريب)).