لأن المكر ينزل بالممكور من الماكر من حيث لا يشعر ، وأما المكر الذي هو الاحتيال للإظهار بخلاف الإضمار ؛ فذلك لا يجوز على الله. قوله تعالى : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (٩٩).
فإن قيل : أليس الأنبياء قد أمنوا عذاب الله وليسوا من القوم الخاسرين؟ قيل : معنى الآية : لا يأمن عذاب الله من المذنبين. والأنبياء صلوات الله عليهم لا يأمنون عذاب الله على المعصية ؛ ولهذا لا يعصون بأنفسهم.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ؛) قرأ قتادة : (أولم نهد) بالنّون على التعظيم ، ومعنى الآية : أولم يبيّن الله للّذين يخلفون في الأرض من بعد أهلها الذين أهلكهم الله بتكذيبهم الرّسل. وقوله تعالى : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي أولم نبيّن لهم مشيئتنا أصبناهم بعقاب ذنوبهم ، كما أخذنا من كان قبلهم بذنوبهم.
وقوله تعالى : (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ ؛) أي نختم عليها عقوبة لهم ، وليس هو عطفا على (أَصَبْناهُمْ) لأنه لو عطف عليه لقال : ولطبعنا ؛ لأنّ قوله : (أَصَبْناهُمْ) على لفظ الماضي ، وكان معنى (وَنَطْبَعُ) : ونحن نطبع. ومعنى الختم على قلوبهم : بأنّهم لا يؤمنون على جهة الذمّ. وقوله تعالى : (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (١٠٠) ؛ أي لا يقبلون الوعظ.
قوله تعالى : (تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها ؛) أي تلك القرى التي أهلكنا أهلها بجحودهم لآيات الله نقصّ عليك يا محمّد في القرآن من أخبارها كيف أهلكت ؛ لما في ذلك من العبرة لمن تدبّر حالهم. (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ؛) أي بالحجج والبراهين القاطعة التي لو اعتبروا بها لا هتدوا.
وقوله تعالى : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ؛) قال مجاهد : (معناه : فما أهلكناهم إلّا وقد كان معلومنا أنّهم لا يؤمنون أبدا). وقال الحسن : (معناه : فما كانوا ليؤمنوا لعتوّهم وتمرّدهم في الباطل) ، (بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ) (١٠١) ؛ أي على قلوب الكافرين بك.