فإن قيل : كيف قالوا لشعيب : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) وشعيب عليهالسلام لم يكن في ملّتهم قط ؛ لأنّ الأنبياء عليهمالسلام لا يجوز عليهم الكفر في حال من الأحوال؟ قيل : يجوز أن يكون المراد بهذا الخطاب قومه الذين كانوا على ملّتهم ؛ فأدخلوه معهم في الخطاب. ويحتمل أنّهم توهّموا أنّ شعيبا كان على ملّتهم ؛ لأنّهم لم يروا منه المخالفة لهم إلّا في وقت ما دعاهم إلى نبوّته.
قوله تعالى : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها ؛) أي قد اختلقنا على الله الكذب فيما دعوناكم إليه إن عدنا في ملّتكم بعد إذ خلّصنا الله منها بالدلالة على بطلانها وتبيين الحقّ لنا وقبولنا له. قوله تعالى : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا ؛) قال بعضهم : معناه : ما نعود فيها إلّا أن يكون في علم الله ومشيئته أن نعود فيها.
وقال بعضهم : معناه : إلّا أن يشاء الله أن نكره عليها بالقتل ، فنظهر كلمة الكفر مع طمأنينة القلب بالإيمان. قوله تعالى : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ؛) أي أحاط ربّنا بكلّ شيء علمه ، فهو يعلم ما هو أصلح لنا فيتعبّدنا به ، وهو يعلم بأنّا هل ندخل في ملّتكم أو لا ندخل.
قوله تعالى : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا ؛) أي به وثقنا في الانتصار عليكم ، قوله تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ ؛) أي اقض بيننا وبينهم بما يدلّ على أنّا على الحقّ وهم على الباطل ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٨٩) ؛ والفاتح هنا : الحاكم بلغة أهل عمان ؛ يسمّى فاتحا ؛ لأنه يفتح المشكلات ويفصل الأمور. ويجوز أن يكون معنى الفتح : أظهر أمرنا بإهلاك العدوّ حتى ينفتح ما بيننا وبينهم ؛ أي يظهر ويكشف.
قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) (٩٠) ؛ معناه : قال الأشراف الّذين كذبوا شعيبا : لئن اتّبعتم شعيبا فيما دعاكم إليه إنّكم إذا بمنزلة من ذهب رأس ماله لإفنائكم العمر في ترك الشّهوات ، فتكونون مغبونين جاهلين.