قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ؛) أي الزّلزلة الشّديدة. وقال ابن عبّاس : (رجفت بهم الأرض وأصابهم حرّ شديد ، ورفعت لهم سحابة ، فخرجوا إليها يطلبون الرّوح منها ، فلمّا كانوا تحتها سالت عليهم بالعذاب ومعه صيحة جبريل عليهالسلام) (١). قوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٩١) ؛ أي بقرب دارهم تحت الظّلّة كما قال تعالى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(٢) وقوله تعالى : (جاثِمِينَ) أي ميّتين على وجوههم وركبهم. وروي : أنّهم احترقوا تحت السّحابة ، فصاروا ميّتين بمنزلة الرّماد الجاثم أجسام ملقاة على الأرض.
قال ابن عبّاس : (فتح الله عليهم بابا من جهنّم ، فأرسل عليهم منه حرّا شديدا ، فأخذ بأنفاسهم فدخلوا جوف البيوت ، فلم ينفعهم ماء ولا ظلّ ، فأنضجهم الحرّ ، فبعث الله سحابة فيها ريح طيّبة ، فوجدوا برد الرّيح وطيبها وظلّ السّحابة ، فتنادوا : عليكم بها ؛ فخرجوا نحوها ، فلمّا اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ؛ ألهبها الله نارا عليهم ، ورجفت بهم الأرض ؛ فأحرقوا كما يحترق الجراد المقتول وصاروا رمادا ، وهو عذاب يوم الظّلّة) (٣).
قوله تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ؛) يقول الله تعالى : الّذين كذبوا شعيبا كأن لم ينزلوا في دارهم. ويقال معنى (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) كأن لم يقيموا فيها مقام المستغني. ويقال : معناه : كأن لم يعيشوا ولم يكونوا. قال الأصمعيّ : (المغنى : المنزل ؛ والمغاني المنازل الّتي كانوا فيها ، يقال : غنينا بمكان كذا ؛ أي نزلنا فيه).
وقوله تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) (٩٢) ؛ فيه بيان أنّ الخسران حلّ بهم دون المؤمنين ، وإنّما أعاد ذكر (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) للتّغليظ عليهم.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٣ ص ٥٠٢ : شطر حديث طويل ؛ قال السيوطي : ((أخرجه إسحق بن بشر وابن عساكر)).
(٢) الشعراء / ١٨٩.
(٣) ينظر : اللباب في علوم الكتاب : ج ٩ ص ٢٢٨.