قوله تعالى : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ ؛) استفهام بمعنى الإنكار ؛ أي إن كنتم تشهدون بإثبات شريك لله ؛ فأنا لا أشهد بما تشهدون به. وإنّما قال : (أُخْرى) ولم يقل أخر (١) ؛ لأن الجمع تذكّر بلفظ وحدان التأنيث (٢) ، كما قال تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ)(٣) ومثله كثير.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ؛) لا شريك له ولا ولد ، (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩) ؛ به من الأصنام والأوثان.
قوله عزوجل : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) ؛ أي الذين أعطيناهم التوراة والإنجيل يعرفون محمّدا صلىاللهعليهوسلم بما يجدونه مكتوبا عندهم من صفته ونعته ، كما يعرفون أبناءهم إذا رأوهم بين الغلمان. كما روي في الخبر : (أنّ عمر رضى الله عنه قال لعبد الله بن سلام : يا أبا حمزة ؛ أتعرف محمّدا صلىاللهعليهوسلم كما تعرف ابنك؟ قال : يا عمر ؛ إنّ معرفتي به أشدّ من معرفتي بابني ؛ لأنّ أمين السّماء ـ يعني جبريل قد جاء بنعته إلى أمين الأرض وهو موسى عليهالسلام. فقال عمر : وكيف ذلك؟ قال : أشهد أنّه رسول الله حقّ من الله تعالى ، وقد نعته الله تعالى في كتابنا فعرفته ، وأمّا ابني فلا أدري ما أحدث النّساء بعدي. فقال عمر رضى الله عنه : وفّقك الله يا ابن سلام) (٤).
قوله تعالى : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٠) ؛ ابتداء كلام معناه : والّذين غبنوا أنفسهم بذهاب الدّنيا والآخرة عنهم ، وهم المعاندون الذين يعرفون ويجحدون من رؤساء اليهود والنصارى ، فهم لا يقرّون بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن.
__________________
(١) في معاني القرآن : ج ١ ص ٣٢٩ ؛ قال الفراء : (وقوله : (آلِهَةً أُخْرى) ولم يقل : (أخر) ؛ لأن الآلهة جمع ، والجمع يقع عليه التأنيث ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وقال الله تبارك وتعالى : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ولم يقل : الأول والأولين ، وكل ذلك صواب).
(٢) أما قوله : (بلفظ وحدان التأنيث) قال ابن عادل : (و (أُخْرى) صفة ل (آلِهَةً)؛ لأن ما لا يعقل يعامل جمعه معاملة الواحدة المؤنثة ، كقوله تعالى : مَآرِبُ أُخْرى [طه / ١٨] و (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الأعراف / ١٨٠]. ينظر : اللباب في علوم الكتاب : ج ٨ ص ٦٧ : تفسير الآية (١٩) من سورة الأنعام.
(٣) الحجرات / ١٤.
(٤) في جامع البيان : الأثر (١٠٢٣٠) ؛ قال الطبري : ((عن ابن جريج قال : زعم أهل المدينة ... وذكره من غير ذكر الأسماء)).