وأنّ مع العسر يسرا](١).
قوله عزوجل : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) ؛ أي هو الغالب على أمر عباده. والقهر : هو الاستعلاء بالاقتدار على الغلبة. وأراد بقوله : (فوق) أنّهم تحت التسخير والتذليل عمّا علاهم من الاقتدار عليهم ، لا ينهاك أحد منهم. قوله : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (١٨) ؛ أي المحكم لصنعه ؛ الخبير بأعمال الخلق.
قوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ؛) قال ابن عبّاس : (وذلك أنّ رؤساء مكّة أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فقالوا : يا محمّد ؛ أما وجد الله رسولا يرسله غيرك؟! ما نرى أحدا يصدّقك بما تقول ؛ ولقد سألنا عنك اليهود والنّصارى ؛ فزعموا أنّه ليس لك عندهم ذكر ولا صفة ولا نعت ، فأرنا من شهد أنّك رسول الله كما تزعم. فأنزل الله هذه الآية) (٢).
ومعناها : قل لهم يا محمّد : أيّ أحد أعظم وأعدل برهانا وحجّة؟ فإن أجابوك وقالوا : الله ، وإلّا فقل : الله أكبر شهادة من خلقه ، وهو شهيد بيني وبينكم ، بأنّي رسول الله ، وأنّ هذا القرآن كلامه. والشاهد هو المبيّن للدعوى ، وقد بيّن الله تعالى دعوى رسوله بالبراهين والمعجزات والآيات الدالّة على توحيد الله ونبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) ؛ معناه : أنزل إليّ هذا القرآن لأخوّفكم به بما فيه من الدلائل ؛ وأخبار الأمم السّالفة ؛ والإنباء بما يكون ؛ والتأليف الذي عجز عنه العرب. قوله تعالى : (وَمَنْ بَلَغَ) أي وأنذر من بلغه القرآن سواكم من العجم ، وغيرهم من الجنّ والإنس إلى أن تقوم الساعة ؛ لأنه ليس من بعد القرآن كتاب ، ولا من بعد محمّد رسول.
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٦ ص ٣٩٨ ؛ قال القرطبي : ((أخرجه أبو بكر بن ثابت الخطيب في كتاب (الفصل والوصل) وهو حديث صحيح ، وقد خرجه الترمذي)). وأخرجه الترمذي في الجامع : كتاب صفة القيامة والرقائق والورع : الحديث (٢٥١٦) ؛ وقال : حسن صحيح. والحاكم في المستدرك : كتاب معرفة الصحابة : باب تعليم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ابن عباس : الحديث (٦٣٥٧ و ٦٣٥٨).
(٢) السيرة النبوية لابن هشام : ج ١ ص ٣١٥. وينظر : الروض الأنف : ج ٢ ص ٤٥ ـ ٤٦ : عتبة بن ربيعة يذهب الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم : طبعة دار الكتب العلمية الأولى.