فلمّا قحط المطر من عاد وجهدوا ؛ قالوا : جهّزوا منكم وفدا إلى مكّة يستسقي ، فبعثوا قيل بن عنز ، ولقيم بن هزال في سبعين رجلا ، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو في خارج مكّة ، فأنزلهم وأكرمهم ، وكانوا أخواله وأصهاره ، فأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنّيهم الجرادتان ؛ وهما قينتان لمعاوية.
فلما رأى طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوّثون من البلاء الذي أصابهم ؛ شقّ ذلك عليه فقال : إخواني وأصهاري وهؤلاء مقيمون عندي وهم ضيفي ، والله لا أدري ما أصنع بهم ، أستحي أن آمرهم بالخروج إلى حاجتهم ، فيظنّون أن ذلك لضيق مكانهم عنده ، وقد هلك قومهم من ورائهم جهدا وعطشا ، فشكا ذلك إلى قينتيه الجرادتين؟ فقالتا : قل شعرا لنغنّيهم به لا يدرون من قاله ، لعلّ ذلك يخرجهم. فقال معاوية :
ألا يا قيل ويحك قم فهينم |
|
لعلّ الله يسقينا غماما |
فيسقي أرض عاد إنّ عادا |
|
قد أمسوا لا يبينون الكلاما |
من العطش الشّديد فليس نرجو |
|
به الشّيخ الكبير ولا الغلاما |
وقد كانت نساؤهم بخير |
|
فقد أمست نساؤهم أيامى |
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم |
|
نهاركم وليلكم التّماما |
فقبح وفدكم من وفد قوم |
|
ولا لقوا التّحيّة والسّلاما |
فلمّا غنّتهم الجرادتان بهذا ، قال بعضهم لبعض : يا قوم ، لقد أبطأتم على أصحابكم ، فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا ، فتقدّموا إلى الحرم. فقام قيل بن عنز يستسقي في المسجد ، فقال : اللهمّ إنّي لم أجيء لمريض فأداويه ، ولا لأسير فأفاديه ، اللهمّ أسقنا فإنا قد هلكنا ، اللهمّ اسق عاد ما كنت تسقيهم. وقال قومه : اللهمّ أعط قيلا ما سألك ، واجعل سؤالنا مع سؤله. فأنشأ الله سحابة بيضاء ؛ وسحابة حمراء ؛ وسحابة سوداء ، ونودي : يا قيل ؛ اختر لنفسك ولقومك من هذا السّحاب ما شئت. فقال : اخترت السوداء لأنّها أكثر السّحاب ماء. فنودي : اخترت رمادا رمدا لا يبقي من آل عاد ولدا ولا شيوخا إلا صاروا همّدا.