قوله تعالى : (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ؛) أي قد وجب عليكم من ربكم عذاب وسخط. والرّجس والرّجز بمعنى واحد. قوله تعالى : (أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ؛) أي تخاصمونني في آلهتكم وأنتم صنعتموها بأيديكم ، (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ؛) أي في عبادتها ، (فَانْتَظِرُوا ؛) حصول العذاب بكم ، (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٧١) ؛ أن يهلككم الله بعذاب من عنده.
قوله عزوجل : (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ؛) أي خلّصناه من العذاب والذين معه بنعمة منّا عليهم ؛ وأمرناهم بالخروج من بين الكفّار قبل إنزال العذاب عليهم ، (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ؛) أي استأصلناهم بالرّيح العقيم ، فما بقي منهم أحد. قوله تعالى : (وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) (٧٢) أي ما أهلكهم الله إلّا وكان في علمه أنه لو لم يهلكهم ما كانوا مؤمنين.
فصل : وكانت قصة عاد وإهلاكهم على ما ذكره السّدّيّ وغيره من المفسرين : (أنّ عادا كان مساكنهم اليمن ، وكان مساكنهم الأساف ؛ وهي رمال يقال لها : رمل عالج ودهمان ونيران ، ما بين عمان إلى حضرموت ، وكانوا قد فشوا في الأرض ، وقهروا أهلها بقوّتهم التي أعطاهم الله إيّاها ، وكانوا يعبدون الأوثان.
فبعث الله إليهم هودا نبيّا عليهالسلام من أوسطهم في النّسب ، وأفضلهم في الحسب ، فأمرهم أن يوحّدوا الله ولا يعبدوا غيره ، وأن يكفّوا عن ظلم الناس ، فأبوا عليه وكذبوه وقالوا : من أشدّ منّا قوّة؟! وتجبّروا في الأرض وبطشوا بطشة الجبّارين ، فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك.
وكان الناس في ذلك الزّمان إذا أنزل بهم بلاء وجهد مضوا إلى البيت الحرام بمكّة مسلمهم وكافرهم وسألوا الله الفرج ، وكلّ الناس مسلمهم وكافرهم معظّما لمكّة حرسها الله ، عارفا بحرمتها. وكان أهل مكّة يومئذ العماليق ، أبوهم عمليق بن لاود بن سام بن نوح ، وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلا يقال له : معاوية بن بكر ، وكانت أمّه من عاد.