رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦٧) ؛ إليكم فيما يأمركم به من عبادته وتوحيده. وفي الآية موضع أدب لخلق وتعلّم من الله حسن جواب السّفهاء ؛ لأنّ هودا عليهالسلام اقتصر على دفع ما نسبوه إليه بنفي ما قالوه فقط ، ولم يقابلهم بشيء من الكلام القبيح ، وكذلك فعله نوح عليهالسلام ؛ فقال : ليس بي ضلالة.
قوله تعالى : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) (٦٨) ؛ على التوبة. وقوله : (ناصح) أي أدعوكم إلى التّوبة ، وقد كنت فيكم قبل اليوم أمينا ، فكيف تتّهمونني اليوم.
قوله تعالى : (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ ؛) قد تقدّم تفسيره. قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ؛) أي واذكروا هذه النّعمة العظيمة بأن أورثكم الأرض بعد هلاك قوم نوح.
والخلفاء : جمع الخليفة على غير لفظ الوحدان ؛ لأن لفظه يقتضي أن يجمع على خلائف كما يقال : صحيفة وصحائف ، إلّا أنه مثل ظريف وظرفاء. قوله تعالى : (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً ؛) أي فضيلة في الطّول ، قال ابن عبّاس : (أطولهم مائة ذراع ، وأقصرهم ستّون ذراعا). وقال وهب : (كان رأس أحدهم كالقبّة العظيمة ، وكان عين أحدهم يفرّخ فيها السّباع وكذلك مناخرهم) (١). قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ ؛) أي نعم الله عليكم واعملوا بما تقتضيه نعمه ، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٦٩) ؛ أي لتظفروا بالنّجاة والبقاء.
قوله تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ؛) أي قالوا : يا هود ؛ أتأمرنا أن نعبد ربّا واحدا ، ونترك ما كان يعبد آباؤنا من الآلهة ، فقال لهم : إن لم تفعلوا ما آمركم به أتاكم العذاب ، قالوا : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا ؛) أي تخوّفنا من العذاب ، (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ؛) (٧٠) أنّك رسول من عند الله.
__________________
(١) هذا التصور الجامح من خيالات القصّاص ، وخرافات الرهبان وأساطيرهم ، ولا أصل له من رواية صحيحة ، والله أعلم.