وإنّما سأل أهل الجنة أهل النار ؛ لأنّ الكفار كانوا يكذّبون المؤمنين فيما يدعون لأنفسهم من الثواب ولهم من العقاب ، فلذا سألهم المسلمون تبكيتا لهم ، ليكون ذلك حسرة للكافرين وسرورا للمؤمنين.
قوله تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤٤) ؛ روي في الخبر : [أنّ مناديا ينادي بين الجنّة والنّار ؛ يسمعه الخلائق كلّهم : أنّ رحمة الله تعالى على المحسنين ، و (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)] أي على الكافرين. وقرأ بعضهم : (أنّ لعنة الله) بالتشديد ونصب اللّعنة.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ؛) أي عن الدّين الذي هو طريق الله إلى جنّته ، (وَيَبْغُونَها عِوَجاً ؛) أي يطلبون لها غيرا أو زيفا بإلقاء الشّبهة التي يلبسون بها على النّاس ، (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) (٤٥) ؛ أي هم جاحدون بالبعث بعد الموت.
قوله تعالى : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ ؛) أي بين الجنّة والنار سور يحجب بين الفريقين ، كما قال تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ)(١). قوله تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ ؛) أي وعلى أعالي السّور باب ؛ يقال : أعالي عرف وجمعه أعراف ؛ ومنه عرف الدّيك ؛ وعرف الأضراس.
والأعراف : سور بين الجنّة والنّار ؛ سمّي أعرافا لأن أصحابه ، (يَعْرِفُونَ ؛) الناس ؛ (كُلًّا بِسِيماهُمْ ؛) يعرفون أهل الجنّة ببياض وجوههم ؛ وأهل النّار بسواد الوجوه.
قال عبد الله بن عبّاس : (أصحاب الأعراف : قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم ، فحالت حسناتهم بينهم وبين النّار ، وحالت سيّئاتهم بينهم وبين الجنّة ، فلم يكن لهم حسنات فاضلة يدخلون بها الجنّة ، ولا سيّئات فاضلة يدخلون بها النّار ، فوقفوا على السّور بين الجنّة والنّار يعرفون الكلّ بسيماهم. فمن دخل الجنّة عرفوه ببياض وجهه
__________________
(١) الحديد / ١٣.