قوله تعالى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا ؛) معناه : أنّ كفّار مكّة كانوا إذا فعلوا معصية يعظم قبحها نحو طوافهم بالبيت عراة ، وتحريمهم ما أحلّ الله تعالى من البحيرة والسّائبة ، قالوا : وجدنا عليها آباءنا وأسلافنا ، (وَاللهُ أَمَرَنا بِها ؛) أي بهذه الأشياء ، (قُلْ ؛) لهم يا محمّد : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ؛) أي لا يأمرنا بالمعاصي ، (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٢٨) استفهام بمعنى الإنكار على جهة إلزام الحجّة ؛ لأنّهم إن قالوا : نقول على الله ما لم نعلم ، فضحوا أنفسهم ، وإن قالوا : لا نقول على الله ما لا نعلم ، لزمتهم الحجّة ؛ لأنّهم لم يكن لهم حجّة على ما قالوا.
قوله تعالى : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ؛) أي بالعدل والصّواب ، وقال ابن عبّاس : (لا إله إلّا الله) (١) ، وقال الضّحاك : (بالتّوحيد). (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ؛) قال مجاهد والسّدّيّ : (أي توجّهوا إلى القبلة في الصّلاة أداء عند كلّ مسجد) ، وقال الكلبيّ : (معناه : إذا حضرت الصّلاة وأنتم في مسجد ، فصلّوا فيه ولا يقولنّ أحدكم : أصلّي في مسجدي ، وإذا لم يكن عنده فليأت أيّ مسجد شاء ، وليصلّ فيه).
وهذه الآية تدلّ على وجوب فعل الصّلاة المكتوبة في الجماعة ، وقد روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [من سمع النّداء فلم يجبه ، فلا صلاة له](٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : [لقد هممت أن آمر رجلا يصلّي بالنّاس ، ثمّ أنظر إلى قوم يتخلّفون عن الجماعات ، فأحرّق عليهم بيوتهم](٣).
قوله تعالى : (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ؛) أي مخلصين له الطاعة والعبادة ، قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٢٩) ؛ أي خلقكم حين خلقكم
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ٧ ص ١٨٨.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ١١ ص ٣٥٣ : الحديث (١٢٢٦٦) ، وإسناده ضعيف ؛ فيه أبو خباب الكلبي ، والحديث (١٢٢٦٥) بإسناد صحيح. وأخرجه ابن حبان في الإحسان : كتاب الصلاة : الحديث (٢٠٦٤).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنف : الحديث (١٩٨٧). وأحمد في المسند : ج ٢ ص ٥٣١. والبخاري في الصحيح : كتاب الأذان : باب فضل صلاة العشاء : الحديث (٦٥٧).