الشَّيْطانُ) أي كونوا على حذر من ذلك ، فإنه عدوّ لكم. وهذا اللفظ أبلغ من أن تقول : لا تقبلوا فتنة الشيطان.
قوله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ؛) أي إنّ الشيطان ونسله يرونكم وأنتم لا ترونهم ، وإنّما قال هكذا ؛ لأنّا إذا لم نراهم لم نعرف قصدهم بالكيد والإغواء حتى نكون على حذر في نجدة نفوسنا من وساوسه.
وفي هذا بيان أنّ أحدا من البشر لا يرى الجنّ ، بخلاف ما يقول بعضهم : إنّ منّا من يراهم. وإنّما لا يراهم البشر ؛ لأنّهم أجسام رقيقة تحتاج في رؤيتك إلى أفضل شعاع ، والله تعالى لم يعطنا من الشّعاع قدر ما يمكننا أن نراهم ، وأمّا هم فإنّهم يروننا ؛ لأنّهم يرى بعضهم بعضا مع أنّهم أجسام رقيقة ، فلأن يرونا ونحن أجسام كثيفة أولى.
وذهب بعض الناس إلى أنه يجوز أن يراهم البشر ، بأن يكشفوا أجسامهم ، وقال : وهم ممكّنون من ذلك. وقيل : إنّ هذا لا يصلح ؛ لأنه لو أمكنهم أن يكشفوا أجسام أنفسهم أمكنهم أن يكشفوا أجسام غيرهم. وقال مالك بن دينار : (إنّ عدوّا يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلّا من عصم الله) (١).
وقيل : هو زيّن لآدم فسكن له ، ويجري من ابن آدم مجرى الدّم ، وأنت لا تقاومه إلا بعون الله ، والشيطان يراك وأنت لا تراه ، وهو لا ينساك وأنت تنساه. وفيه يقول بعضهم :
ولا أراه حيثما يراني |
|
وعند ما أنساه لا ينساني |
فيبدي إن لم يكن سباني |
|
كما سبى آدم من جنان |
وقال ذو النّون : (إن هو يراك من حيث لا تراه ، فإنّ الله يراه من حيث لا يرى الله ، فاستعن بالله عليه ، فإنّ كيد الشّيطان كان ضعيفا).
قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٧) ؛ أي جعلناهم قرناء للذين لا يؤمنون بالله.
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ٤٦٠.