قوله تعالى : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي ؛) أي فبما أضللتني عن الهدى ، (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦) ؛ أي لأرصدنّ على طريق بني آدم ، وأصدّهم عن دينك المستقيم. وقال الحسن : (معنى : (أَغْوَيْتَنِي) لعنتني). وقيل : (أغويتني) خيّبتني ، وقد يكون الغوى بمعنى الخيبة. وقيل : (أغويتني) أي أهلكتني.
قوله تعالى : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ؛) قال ابن عبّاس : (معناه : أنّ إبليس قال : لآتينّهم من قبل آخرتهم ؛ فلأخبرنّهم أنّه لا جنّة ولا نار ، ولا بعث ولا حساب). (١)(وَمِنْ خَلْفِهِمْ ؛) أي من قبل دنياهم ؛ فلآمرنّهم بجمع المال مخافة الفقر وأن لا يؤدوا حقّه ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ ؛) أي من قبل دينهم فأبيّن لهم ضلالتهم ، وإن كانوا على هدى شبّهته عليهم حتى أخرجهم منه ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ ؛) أي من قبل اللّذات والشّهوات فأزيّنها لهم ، (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) (١٧) ؛ لنعمتك.
وقال السّدّيّ : (معنى : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) أراد الدّنيا أغويهم إليها ، (٢)(وَمِنْ خَلْفِهِمْ) فمن الآخرة أشكّكهم فيها وأبعدها عليهم ، (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) قال : الحقّ أشكّكهم فيه ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) قال : الباطل أخفيه عليهم وأرغّبهم فيه). (٣)
وقيل : أراد بقوله (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ) من جهة الحسنات أغفلهم عنها ، (وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) يعني من جهة السيّئات ، فإنّ الحسنات تضاف إلى اليمين ، والسيّئات تضاف إلى الشمال. وقيل : معنى الاية : ثم لأحتالنّ في إغوائهم من كلّ وجه. قال قتادة : (أتاك يا ابن آدم من كلّ وجه ، غير أنّه لا يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة ربك ، إنّما تأتيك الرّحمة من فوقك). (٤)
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١١٧٤ و ١١١٧٥) ولفظه قريب للفظ قتادة.
(٢) عند الطبري : (أدعوهم إليها).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١١٧٨).
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١١٧٥) ، وفيه : (غير أنه لم يأتك من فوقك ، لم يستطع ...).