وقال شقيق بن إبراهيم : (ما من صباح إلّا قعد لي الشّيطان على أربعة مراصد : من بين يديّ ، ومن خلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي. أمّا ما بين يديّ ؛ فيقول لي : لا تحزن فإنّ الله غفور رحيم ، فأقول : ذلك لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثمّ اهتدى.
وأمّا من خلفي ؛ فيخوّفني الضيّعة على درّيّتي ومن خلفي ، فأقول : وما من دابّة في الأرض إلّا على الله رزقها. وأمّا من قبل يميني ؛ فيأتيني من قبل النّساء ، فأقول : والعاقبة للمتّقين. وأمّا من قبل شمالي ؛ فيأتيني من اللّذات والشّهوات ، فأقول : وحيل بينهم وبين ما يشتهون).
وإنّما ذكر (من) في قوله : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) وذكر (عن) في قوله : (وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) لأن القدّام والخلف يكون لابتداء الغاية ، والغاية تذكر بحرف (من). وأمّا جهة اليمين والشمال فإنّها تكون للانحراف ، فذكرها ب (عن).
فإن قيل : من أين علم إبليس أنه لا يكون أكثرهم شاكرين ؛ أي أكثر الناس شاكرين؟ قيل : إنّه ظنّ بهم ظنّا ، فوافق ظنّه مظنونه ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ.)(١) وإنّما ظنّ ذلك ؛ لأنه لمّا تمكّن من استزلال آدم وحوّاء ؛ علم أنّ أولادهما أضعف منهما ، فيكون تمكّنه منهم أكثر.
قوله تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً ؛) أي أخرج من الجنّة. وقيل : من السّماء ، (مذؤما) أي مذؤما معيبا ، والذأم والذّيم : شدّة العيب ، يقال : ذامت الرّجل ذومة وذأمة ؛ إذا عبته وذمته. قوله : (مدحورا) أي مبعدا من الخير والرحمة. والدّحر : الدّفع على وجه الهوان والذّلّ.
وقال ابن عبّاس : (مذءوما) ممقوتا. (٢) وقال مجاهد : (مذءوما) صاغرا. وقال أبو العالية : (مذءوما) أي مزدرا. وقال عطاء : (مذءوما) أي ملعونا. وقال الكسائيّ : (المذموم : المقبوح).
__________________
(١) سبأ / ٢٠.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (١١١٨٥).