قوله تعالى : (قالَ فَاهْبِطْ مِنْها ؛) أي من الجنّة. وقيل : من السّماء إلى الأرض ، فإنّ السّماء ليس بموضع للمتكبرين. وقيل : معناه : فاهبط من الأرض ؛ أي اخرج منها والحق بجزائر البحار ، فإنّما تسلط به في الجزائر فلا تدخل الأرض إلا كهيئة السّارق عليه أطمار يروع فيها ، حتى يخرج من الأرض.
قوله تعالى : (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها ؛) أي ليس لك أن تتعظّم في الأرض على بني آدم ، (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (١٣) ؛ أي من الأذلّاء. والصّغار هو الذّلّ.
قوله تعالى : (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٤) ؛ أي قال إبليس حين خشي أن يعاجله الله بالعقوبة : أمهلني وأخّر جزائي إلى يوم يبعثون من قبورهم ؛ وهي النفخة الأخيرة عند قيام السّاعة. أراد الخبيث أن لا يذوق الموت ، (قالَ ؛) الله تعالى : (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (١٥) ؛ أي المؤخّرين المؤجّلين إلى يوم الوقت المعلوم ؛ وهي النفخة الأولى عند موت الخلق كلّهم.
وهذا ليس بإجابة إلى ما سأل ؛ لأنه سأل الله الإمهال إلى النفخة الثانية ، فأبى الله أن يعطيه ذلك ، (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(١) يعني إلى النفخة الأولى يموت حينئذ أهل السّموات والأرض ، ويموت إبليس معهم. وبين النفخة الأولى والثانية أربعين سنة.
واختلفوا في أنّ الله تعالى هل يجيب دعوة الكافر أم لا؟ قال بعضهم : لا يجيب ؛ لأنّ إجابة الدّعاء تكون تعظيما للدّاعي ؛ ولهذا يرجو الإنسان أنه مجاب الدّعوة ، ولا يحسن من الله تعالى أن يعلم أحدا مدّة حياته لما في ذلك من الإغراء بالمعاصي. وكيف يجوز أن يجيب الله تعالى إبليس إلى ما سأل ، ولم يكن سؤاله على جهة التّضرّع والخشوع والرّغبة إلى الله ، وإنّما سأل ليغوي الناس ويضلّهم. وقال بعضهم : يجوز إجابة دعاء الكافر استدراجا واستضلالا له ولغيره ، ولا تكون إجابة الكافر تعظيما له بحال أبدا.
__________________
(١) الحجر / ٣٧ ـ ٣٨.