الّذي لا يحسد) ، وقال عكرمة : (هو الّذي لا يغضب) (١) ، وقال ذو النّون : (الحسود لا يسود) ، وقال الخليل : (سيّدا أي مطاعا) ، وقيل : السيّد : القانع بما قسم الله ، وقيل : هو الرّاضي بقضاء الله ، وقيل : المتوكّل على الله. وقال أبو يزيد البسطامي : السيد هو الذي قد عظمت همّته ؛ ونبل قدره أن يحدّث نفسه بدار الدنيا ، وقيل : هو السّخيّ. قال صلىاللهعليهوسلم : [من سيّدكم يا بني سلمة؟] قالوا : جدّ بن قيس إلّا أنّه بخيل ، قال : [وأيّ داء أدوى من البخل؟ بل سيّدكم عمرو بن الجموح](٢).
قوله تعالى : (وَحَصُوراً) الحصور : هو الّذي لا يأتي النّساء ، وهذا قول ابن مسعود وابن عبّاس وابن جبير وقتادة وعطاء والسديّ والحسن ؛ يعني أنه يحصر نفسه عن الشّهوات. وقال ابن المسيّب والضحّاك : (هو العنّين الّذي ما له ذكر قويّ) ، ودليل هذا التأويل ما روى أبو هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : [كلّ ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذّبه عليه إن شاء أو يرحمه إلّا يحيى بن زكريّا ؛ فإنّه كان سيّدا وحصورا ؛ (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩))]. ثمّ أهوى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال : [كان ذكره مثل هذه القذاة](٣).
وقال المبرّد : الحصور : هو الّذي لا يدخل في اللّعب والعبث والأباطيل ، وقد يسمّى كاتم السرّ حصورا ، والذي لا يدخل مع الناس في الميسر حصورا لامتناعه من ذلك ، وأصله من الحصير وهو الجسد ؛ يقال : حصرت الرّجل عن حاجته إذا حبسته ، وحصر في قرانه إذا امتنع من اللقواة (٤) فلم يقدر عليها ، ومنه إحصار العدوّ ، قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً)(٥) أي محبسا. ويسمّى الحصير حصيرا لأنه أدخل بعضه في بعض بالنسج وحبس بعضه على بعض. وأولى ما قيل في تفسير قوله تعالى : (وَحَصُوراً) :) هو الذي لا يأتي النّساء ، يحبس نفسه عن ذلك اختيارا ، فهذا
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٤٩٣).
(٢) تقدم.
(٣) في الدر المنثور : ج ٢ ص ١٩٠ ؛ قال السيوطي : «أخرجه ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة».
(٤) هكذا رسمت في الأصل.
(٥) الاسراء / ٨.