سائر جنايات الإحرام لا تختلف بين المعذور وغير المعذور ، وإنّ الله تعالى أحلّ للمحرم والمريض حلق الرأس على الأذى ، وأوجب عليه الفدية.
قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) نوّنه أهل الكوفة ، ورفعوا ال (مِثْلُ) على البدل من الجزاء ، كأنه فسّر الجزاء ؛ أي فعليه جزاء مثل الصيد المقتول من النّعم. وقرأ الباقون بالإضافة ، ومعناه : عليه أن يجزي بمثل المقتول ؛ أي يشتري بقيمته من النّعم فيذبح. وقد تجوز إضافة الشيء إلى نفسه كما يقال : ثوب جزوبات جديد (١) ، ويوم الجمعة.
ويحتمل أن يكون معناه : عليه جزاء مثل النّعم المقتول ، ومثل النّعم المقتول : قيمته من جهة الحكم ، (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ).
وقوله تعالى : (هَدْياً) ؛ منصوب على الحال ؛ أي يحكمان بقدر أن يهدي. وقوله تعالى : (بالِغَ الْكَعْبَةِ) ؛ لفظه لفظ المعرفة ومعناه النّكرة ، كأنه قال : بالغا الكعبة ، إلا أن التنوين حذف استخفافا ، وكنّى بالكعبة عن الحرم ؛ لأن حرمته لأجل الكعبة. وفي ذكر بلوغ الكعبة بيان اختصاص من هذا الجزاء بالحرم ، وأنه لا يجوز ذبحه إلا فيه. ومعنى قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) أي فعلى القاتل الفداء مثل المقتول من النعم.
والنّعم في اللغة : من الإبل والبقر والغنم ، فإذا انفردت الإبل قيل : إنّها نعم ، وإذا انفردت البقر والغنم لم تسمّ نعما.
واختلف أهل العلم في كيفيّة الجزاء ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف : (ينظر الحكمان العدلان من أهل المعرفة إلى الصّيد المقتول ، فيقوّمانه حيّا في ذلك المكان وذلك الزّمان ، فإذا عرفت القيمة خيّر القاتل ، فإن شاء اشترى بتلك القيمة هديا من النّعم فذبحه في الحرم ، وإن شاء اشترى بها طعاما فأطعمه مساكين الحرم وغيرهم ؛ كلّ مسكين نصف صاع من برّ ، أو صاع من تمر أو شعير كما في
__________________
(١) هكذا رودت في المخطوط بوضوح تام.