واختلفوا في صفة العمل الموجب للجزاء والكفّارة في قتل الصيد ، فقال الأكثرون من أهل العلم : سواء قتل المحرم الصّيد عمدا أو خطأ فعليه الجزاء ، وجعلوا فائدة تخصيص العمل بالذّكر في هذه الآية ما في نسخها بقوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)) ؛ لأن المخطئ لا يجوز أن يلحقه الوعيد (١).
والقول الثاني : ما روي عن قتادة وطاووس وعطاء ؛ أنّهم قالوا : (لا شيء على الخاطئ) وهو رواية عن ابن عبّاس.
والقول الثالث : وهو قول مجاهد والحسن : (أنّ المراد به إذا قتله ناسيا لإحرامه ، وحصل القتل عمدا) (٢). وهذا القول يقتضي أن غير العامد الذاكر لإحرامه لا يؤمر بالكفّارة ، ولكنّ الله يعاقبه في الآخرة على ما فعله. وعلى هذا التأويل قالوا : إنّ معنى قوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) أي عاد إلى هذا الفعل من بعد العلم بالنهي ، كان عقوبته النقمة ينتقم الله منه.
وقال آخرون : هو القتل عمدا وهو ذاكر لإحرامه ، فحكم عليه في العمد والخطأ الكفارة والجزاء ، وهو اختيار الشافعيّ. وقال الزهريّ : (نزل القرآن بالعمد ، وجرت السّنّة بالخطأ) (٣). وقال ابن عبّاس : (إن قتله عمدا سئل : هل قتل قبله شيئا من الصّيد؟ فإن قال : نعم ؛ لم يحكم عليه ، ويقال له : اذهب ، فينتقم الله منه ، وإن قال : لم أقتل قبله شيئا ، حكم عليه ، فإن عاد إلى قتل الصّيد ثانيا وهو محرم بعد ما حكم ، ولم يحكم عليه ثانيا ، ويملأ بطنه وظهره ضربا وجيعا) (٤). وعندنا إذا عاد حكم عليه ثانيا ، وعليه الجمهور.
وقال بعضهم : إذا قتله عمدا وهو ذاكر لإحرامه ، فلا حكم عليه ، وأمره إلى الله تعالى ؛ لأنه أعظم من أن يكون له كفّارة. والقول الأول أصحّ هذه الأقاويل كلّها ؛ لأن
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٩٧٨٧) عن عطاء ، والنص (٩٧٨٨) عن طاووس ، والنص (٩٧٩٠) عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النصوص (٩٧٨٢) والنص (٩٧٨٤) عن الحسن.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٩٧٨٩).
(٤) بمعناه أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٩٨٦٥ و٩٨٦٦).