هذا بما كان أنزل على عيسى عليهالسلام ، فأنزل الله تعالى فيهم : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) ووفد النجاشيّ الذين قدموا مع جعفر وهم سبعون (١).
وقال مقاتل والكلبيّ : (كانوا أربعين رجلا ، اثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية من أهل الشّام). وقال عطاء : (ثمانون رجلا ، أربعون من أهل نجران ، واثنان وثلاثون من الحبشة ، وثمانية من أهل الرّوم من أهل الشّام) (٢).
قال قتادة : (نزلت هذه الآية في النّصارى الّذين هم متمسّكون بشريعة عيسى عليهالسلام) يعني أنّ النصارى كانوا أقلّ مظاهرة للمشركين من اليهود ، فقوله : (وَإِذا سَمِعُوا) على هذا التأويل معناه : وإنّ منهم من إذا سمعوا ، أو منهم قوم إذا سمعوا.
وفي الآية ما يشهد لهذا القول أيضا ؛ لأن الله تعالى وصفهم بقرب مودّتهم للمسلمين ، ولم يصفهم بأنّهم يوادّون المسلمين ، ولا يجوز أن يعتقد أحد أنّ في الآية مدحا للنّصارى ، وإخبارا أنّهم خير من اليهود إلّا في معنى شدّة العداوة ، لأن من أمعن النظر في مقالة اليهود والنصارى علم أن مقالة النصارى أظهر فسادا من مقالة اليهود ، لأنّ اليهود يقرّون بالتوحيد في الجملة ، وإن كانت فيهم مشبهة تنقض القول بالتوحيد بالشّبه ، والنصارى لا يكونون مقرّين بالتوحيد بوجه من الوجوه.
قوله عزوجل : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً) ؛ معناه : إن قرب مودّة النصارى للمسلمين ، وقلّة مظاهرتهم للمشركين بأنّ من النصارى قسّيسين ؛ أي علماء وعبّاد أصحاب الصوامع ، (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٨٢) ؛ عن اتّباع الحقّ إذا تبيّن لهم.
والقسّيسين في اللغة مأخوذ من القسّ وهو الشّرّ ، يقال : قسّ فلان الأذى إذا تبعه ، والقسّ : النميمة أيضا. والرّهبان : العبّاد أصحاب الصوامع. وقال قطرب :
__________________
(١) ذكره البغوي عن المفسرين في معالم التنزيل : ص ٣٩٣.
(٢) الجامع لأحكام القرآن : ج ٦ ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، نقله عن مقاتل والكلبي ، وذكر البغوي عن عطاء في معالم التنزيل : ص ٣٩٣.