بخطبة رسول الله صلىاللهعليهوسلم إيّاها ، فأعطتها أوضاحا لها سرورا بذلك ، وأمرها أن توكّل من يزوّجها ، فوكّلت خالد بن سعيد بن العاص ، فأنكحها على صداق أوزن بمائة مثقال ، وكان الخاطب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم النجاشيّ ، وأنفد الصّداق إلى أمّ حبيبة على يدي برهة ، فلمّا جاءتها بذلك أعطتها خمسين مثقالا ، فقالت برهة : إنّ الملك أمرني أن لا آخذ منك شيئا ، فردّته إليها ولم تأخذه.
ثم قالت لها برهة : أنا صاحب دهن الملك وبناته ، وقد صدّقت بمحمّد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وآمنت به ، فحاجتي إليك أن تقرئيه مني السّلام ، ثم أمر الملك نساءه أن يبعثن إلى أمّ حبيبة بما عندهنّ من عود وعنبر ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يراه عليها ولا ينكره.
وقالت أمّ حبيبة : فخرجنا في سفينتين ، وبعث معنا النجاشيّ الملّاحين ، فلما خرجنا من البحر ركبا الظّهر إلى المدينة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بخيبر ، فخرج من خرج إليه ، فأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخلت عليه ، فكان يسألني عن النجاشيّ فبلّغته سلام برهة فردّ عليهاالسلام ، وأنزل الله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً)(١) يعني أبا سفيان ، و (مودّة) : تزويج أمّ حبيبة. ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [لا أدري أيّا بفتح خيبر أسرّ أم بقدوم جعفر](٢).
وبعث النجاشيّ بعد أن قدم جعفر المدينة ابنه أرهى بن أصحمة في ستّين راكبا من الحبشة ، وكتب إليه : (يا رسول الله ، إنّي أشهد أنّك رسول الله صادقا ومصدّقا ، قد بايعتك وبايعت ابن عمّك ، وأسلمت لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك ابني ، وإن شئت أن آتيك بنفسي ، فعلت. والسّلام عليك يا رسول الله. فركبوا سفينة في إثر جعفر وأصحابه ، فلما بلغوا وسط البحر غرقوا.
وكان جعفر يوم وصل المدينة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصل في سبعين رجلا منهم اثنان وستّون من الحبشة ، وثمانية من أهل الشّام منهم بحيرا الراهب ، قرأ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة يس إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا : ما أشبه
__________________
(١) الممتحنة / ٧.
(٢) الروض الأنف : ذكر قدوم جعفر : ج ٤ ص ١٠٤.