قوله عزوجل : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) ؛ بيان أنّهما كانا محدثين محتاجين ، وهذا احتجاج بيّن على القوم في أنه لم يكن إلها ؛ لأنّ الله تعالى وصفه في الآية بصفات تنافي الآلهيّة ، منها : أنّه رسول بعد أن لم يكن ، ومنها : أنه كسائر الرّسل فيما ظهرت منه وعليه ، ومنها : أنه مولود من أمّ ، ومنها : أنّهما كانا يعيشان بالغداء كما يعيش سائر الآدميّين ، وكيف يكون إلها من تكون حياته بالحيلة ولا يقيمه إلّا أكل الطعام.
ومنها ما قالوا : إنّ أكل الطعام في الآية كناية عن قضاء الحاجة ؛ لأن الذي يأكل الطعام لا بدّ له من قضاء الحاجة. فكلّ هذه الصفات دلالة على كونه عبدا مخلوقا مربوبا مستحيلا أن يكون إلها قديما ، تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا.
قوله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) ؛ أي انظر يا محمّد كيف نبيّن لهم العلامات في أمر عيسى أن لم يكن إلها ولا ابنا له ولا ثالث ثلاثة ، (ثُمَّ انْظُرْ) ؛ يا محمّد ، (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٧٥) ؛ أي من أين يصرفون عن الحقّ الواضح إلى الباطل.
والإفك : هو الصّرف ، كلّ شيء صرفته فهو مأفوك ، تقول : أفكته عنه أفكه إفكا ، ويسمّى الكذب إفكا ؛ لأنه يصرف عن الحقّ.
قوله تعالى : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ؛ أي قل يا محمّد لهؤلاء النّصارى ومن سلك طريقتهم واتّخذ غير الله إلها : أتعبدون من دون الله ما لا يقدر على دفع ضرّ عنكم ولا جرّ نفع إليكم ، (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ) ؛ لمقالتكم في عيسى عليهالسلام وأمّه ، (الْعَلِيمُ) (٧٦) ؛ بكم وبعقوبتكم.
قوله عزوجل : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) ؛ أي قل لهم يا محمّد : لا تتجاوزوا الحدّ في دينكم إلى غير الحقّ فتقولوا : هل فعل أحد مثل فعل عيسى؟ وتجعلوا لله ولدا؟ فإنه ليس بحقّ ، ويقال : هذا خطاب لليهود والنصارى ؛ أي لا ترفعوا عيسى عليهالسلام عن درجة النبوّة إلى درجة الرّبوبيّة ، ولا تحطّوه عن درجته فتقولوا : إنه مولود على غير رشده.