أنّ شيئا (١) حاله في أمه مربوب كحالهم ، وأعلمهم أن من أشرك مع الله شيئا غيره فهو كافر من أهل النار ، فذلك قوله تعالى : (اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) أي وحّدوه ، فهو خالقي وخالقكم ورازقي ورازقكم. (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) ؛ أن يدخلها ، (وَمَأْواهُ النَّارُ) ؛ ومصيره في الآخرة النار ، (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٧٢) ؛ أي ما للمشركين من مانع يمنعهم من عذاب الله.
ثم بيّن الله كفر الفريق الآخر من النّصارى ، وهم المرقوشيّة ، فقال عزوجل : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) ؛ أي أحد ثلاثة : أب ؛ وابن ؛ وروح قدس ، (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا) ؛ أي المنافقون ؛ (عَمَّا يَقُولُونَ) ؛ من مقالتهم الأولى والثانية ، (لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ؛ أي ليصيبنّ الذين أقاموا على مقالة الكفر ، (مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٣) ؛ وجيع يخلص وجعه إلى قلوبكم.
قوله تعالى : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ) ؛ أوّل هذه الآية استفهام ، ومعناها الأمر ؛ أي توبوا إلى الله عن النصرانيّة ، واستغفروه من هذه المقالة الشّنيعة ، (وَاللهُ غَفُورٌ) ؛ لمن تاب وآمن ، (رَحِيمٌ) (٧٤) ؛ بمن مات على التّوبة.
قوله عزوجل : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ؛ أي ما المسيح إلّا رسول من رسل الله ، فإنّ إبراء الأكمه والأبرص ، وإتيانه بالمعجزات كما أتى موسى بالمعجزات ؛ أي الآيات ، وكما أتى إبراهيم عليهالسلام وغيرهما من الأنبياء ، فلو وجبت عبادة الأنبياء لظهور المعجزات عليه لوجبت عبادة سائر الأنبياء واتخاذهم آلهة بسبب المعجزات ، (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) ؛ أي كثيرة الصّدق والتصدّق ، وذلك أنّ جبريل عليهالسلام أتاها فقال لها : إنّما أنا رسول ربك ؛ فصدّقته ، كما قال تعالى : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها)(٢).
__________________
(١) هكذا رسمها الناسخ في المخطوط واضحة.
(٢) التحريم / ١٢.