وأما نفي الحزن عن المؤمنين ها هنا ، فقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنه لا يكون عليهم حزن في الآخرة ولا خوف ، ونظيره قوله تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا)(١).
وقال بعضهم : إنّ المؤمنين يخافون ويحزنون لقوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)(٢) وقوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ)(٣). قال صلىاللهعليهوسلم : [يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة] فقالت عائشة : واسوأتاه! فقال صلىاللهعليهوسلم : [أما سمعت قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)(٤)](٥). قالوا : وإنما نفى الله تعالى في هذه الآية الحزن عن المؤمنين ؛ لأن حزنهم لما كان يعرض الزوال ، ولم يكن له بقاء معهم لم يعتدّ بذلك.
قوله عزوجل : (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ؛ أي أخذنا عهد بني إسرائيل على أن يعملوا بما في التوراة والإنجيل ، وكل نبيّ يبعثه الله إلى قومه فآمنوا به ، فذلك أخذ ميثاقهم ، (وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ) ؛ أي كلّما جاءهم رسول بما لا يوافق هواهم ولا ما هم عليه ، (فَرِيقاً كَذَّبُوا) ؛ أي كذبوا جماعة من الرّسل مثل عيسى ومحمّد صلوات الله عليهما ، (وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) (٧٠) ؛ مثل زكريّا ويحيى عليهماالسلام.
قوله تعالى : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ؛ أي ظنّوا ألّا يكون عذابا وعقوبة ، وقيل : ابتلاء بسبب قتلهم الأنبياء وتكذيبهم الرسل. من قرأ (يكون) بالنصب فمعنى (أن يكون) ، ومن قرأ بالرفع فمعناه : (أنّه لا يكون) أي فحسبوا أنّ فعلهم غير فاتن لهم ، (فَعَمُوا وَصَمُّوا) ؛ عن الحقّ ؛ أي عملوا معاملة الأعمى
__________________
(١) فصلت / ٣٠.
(٢) الحج / ٢.
(٣) عبس / ٣٤ ـ ٣٥.
(٤) عبس / ٣٧.
(٥) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الرقاق : باب الحشر : الحديث (٦٥٢٧). ومسلم في الصحيح : كتاب الجنة وصفة نعيمها : باب فناء الدنيا : الحديث (٦٥ / ٢٨٥٩). والنسائي في السنن الصغرى : كتاب الجنائز : باب البعث : ج ٤ ص ١١٤. والحديث له طرق مختصرة عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم جميعا.