ومعنى الآية : لا تتّخذوا اليهود والنصارى الذين يتخذون (دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً) أي استهزاء وسخرية ، يسخرون منكم إذا أذن مؤذّنكم ، ويضحكون من صلاتكم إذا صلّيتم.
قوله سبحانه وتعالى : (وَالْكُفَّارَ) ؛ فيه قراءتان : النصب والخفض ، فمن نصبه فمعناه : لا تتّخذوا الكفار ، (أَوْلِياءَ) ، وأراد بهم مشركي العرب ، ومن خفضه فمعناه : من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار. وقوله سبحانه وتعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٥٧) ؛ أي اخشوه في ولاية الكافرين إن كنتم مؤمنين بالله وبرسوله.
قوله سبحانه وتعالى : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً) ؛ أي إذا ناديتم الناس إلى الصّلاة بالأذان والإقامة اتّخذوها سخرية واستهزاء وضحكا وباطلا ، و (ذلِكَ) ؛ الاستهزاء واللعب ، (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (٥٨) ؛ ثواب الله تعالى في إقامة الصّلاة ، ولا عقابه في إضاعته.
وروي : «أنّ يهوديا كان إذا سمع المؤذّن يقول : (أشهد أنّ محمّدا رسول الله) قال : أحرق الله الكاذب ، فدخل خادمه البيت بنار ، فوقعت شرارة منها في البيت فالتهب ، واحترق اليهوديّ هو وأهله ، واستجيب دعاؤه على نفسه» (١).
وفي الآية دليل أنّ للصلاة أذانا يدعو به الناس إليها ، ونظير هذا قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)(٢). وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [ثلاثة لا يكترثون من الحساب ، ولا تفزعهم الصّيحة ، ولا يحزنهم الفزع الأكبر : حامل القرآن العامل به ، يقدم على الله سيّدا شريفا ، ومؤذّن أذن سبع سنين لا يأخذ على أذانه طعاما ، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه وأدّى حقّ مولاه](٣).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٩٥٢٨) عن السدي.
(٢) الجمعة / ٩.
(٣) في كنز العمال : الرقم (٤٣٣٠٨) عن ابن عباس. وأخرجه الطبراني في الأوسط : الحديث (٩٢٧٦) ، وفي الصغير : الحديث (١١١٦) بلفظ : [ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ...] ، وقال : «لم يروه عن بشير بن عاصم إلا عمر بن أبي قيس». وفي مجمع الزوائد : ج ١ ص ٣٢٧ ؛ قال