قال المفسّرون : عنى بذلك جميع أهل الملل المختلفة ، جعل الله لكل ملّة شرعة ومنهاجا ، فلأهل التوراة شريعة ، ولأهل الإنجيل شريعة ، ولأهل القرآن شريعة ، يحلّ فيها ما شاء ويحرّم فيها ما شاء ، فالدّين واحد والشريعة مختلفة.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ؛ أي لجعلكم على أمر واحد في دعوة جميع الأنبياء ، (وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ) ؛ أي ولكن ليختبركم ، (فِي ما آتاكُمْ) ، فيما أعطاكم من الكتب ، وفيما أمركم من السّنن والشرائع المختلفة ، فيتبيّن من يطيع الله ومن يعصيه.
قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ؛ أي بادروا يا أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم بالخيرات والطاعات والأعمال الصالحة قبل الفوت والموت. قال صلىاللهعليهوسلم : [اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحّتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وغناك قبل فقرك ، وحياتك قبل موتك](١).
قوله تعالى : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ؛ أي إلى الله مرجع من آمن ، ومن لم يؤمن ، (فَيُنَبِّئُكُمْ) ، فيجزيكم يوم القيامة ، (بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٤٨) ؛ من أمر الدّين والشريعة.
وقوله عزوجل : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) ؛ معناه : أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ ، وبأن تحكم بين اليهود بما أنزل الله من رجم الزاني المحصن ، والقصاص بين الشّريف والوضيع ، ولا تعمل بهواهم في الجلد ، وترك الرّجم ، (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) ؛ أي أن يستزلّوك (٢) عن بعض ما بيّن الله في كتابه.
قال ابن عبّاس : (وذلك أنّ يهود بني النّضير مثل ابن صوريّا وكعب بن أسد وغيرهم ، قالوا فيما بينهم : اذهبوا بنا إلى محمّد لعلّنا نفتنه عن دينه ، فإنّما هو بشر!
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك : كتاب الرقاق : باب نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الحديث (٧٩١٦) عن ابن عباس ، وقال : «حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه». وأبو نعيم في حلية الأولياء : ج ٤ ص ١٤٨ عن عمرو بن ميمون.
(٢) في المخطوط : (يستلذوك).