فأتوه فقالوا له : يا محمّد إنّك قد عرفت أنّا أحبار اليهود وأشرافهم وساداتهم ، وإنّا إن اتّبعناك اتّبعك كلّهم ولن يخالفونا ، وإنّ بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فاقض لنا عليهم فنؤمن بك ، فأبى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان حريصا على إسلامهم ، فأنزل الله تعالى (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ)) (١).
قوله عزوجل : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ) ؛ أي إن أعرضوا عن حكمك ، فاعلم إنّما يريد الله أن يعاقبهم بالقتل في بني قريظة ، وبالجلاء إلى الشّام في بني النّضير ، (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) ؛ أي بما سلف من ذنوبهم ، وهو جحودهم لدينك ونعتك وصفتك والتوراة والإنجيل ، (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) (٤٩) ؛ أي خارجون عن الطاعة ناقضون للعهد.
قوله عزوجل : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) ؛ قرأ ابن عامر (تبغون) بالتاء ، وقرأ الباقون بالياء. ومعنى الآية : تطلبون من حكم الزّنا والقصاص ، وهم أهل الكتاب شيئا فيما لم ينزّله الله عليكم كما يفعله أهل الجاهلية ، وأيّ أحد أعدل في الحكم من الله تعالى. قوله سبحانه وتعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٥٠) ؛ أي من أيقن بيّن له عدل الله في حكمه.
قوله سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ؛ وذلك : أنّه لمّا كانت وقعة أحد خاف النّاس من المسلمين أن يظهر عليهم الكفّار ، فأراد من كان بينه وبين اليهود والنّصارى صحبة أن يتولّاهم ويعاقدوهم ، فنهاهم الله عن ذلك. ومعناه : يا أيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أحبّاء في العون والنّصرة ، بعضهم على دين بعض ، (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ؛ إذا تولّاه لأجل كفره صار كافرا مثله ، وأمّا إذا تولّاه لا لأجل كفره صار من جملة المستحقّين العذاب لمخالفة أمر الله ولموالاته من أوجب الله عليه أن يعذّبه. وقال عكرمة : (نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين قال لبني قريظة حين رضوا بحكم سعد : إنّه الذبح) (٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٩٤٧٥).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٩٤٨٣).