النّبوّة) (١) ، وقيل : إنّ هذا لا يصلح لأنّه قال : (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ) والله تعالى لا ينزع النبوّة من أحد ؛ لأنه لا يريد لأداء الرسالة إلّا من يعلم أنه يؤدّي الرسالة على الوجه ، وأنّه لا يغيّر ولا يبدّل ، لأنه عالم بعواقب الأمور.
ومعنى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) أي تعطي الملك من تشاء أن تعطيه. وقال الكلبيّ : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) يعني محمّدا وأصحابه ، (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) أي من أبي جهل وأصحابه). وقيل معناه : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) يعني العرب ، (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) يعني الرّوم والعجم وسائر الأمم (٢).
وقال بعضهم : (تُؤْتِي الْمُلْكَ) أي العافية ، قال صلىاللهعليهوسلم : [من أصبح آمنا في سربه ؛ معافى في بدنه ؛ عنده قوت يومه ، فكأنّما حيزت له الدّنيا بحذافيرها](٣).
وقيل : هو القناعة. وقال ابن المبارك : (دخلت على سفيان الثّوريّ بمكّة فوجدته مريضا شارب الدّواء وبه غمّ شديد ، فسلّمت عليه وقلت : ما لك يا أبا عبد الله؟ فقال : أنا مريض شارب الدّواء وبي غمّ شديد ، فقلت : أعندك بصلة؟ فقال : نعم ، فقلت : ائتني بها ، فكسرتها ثمّ قلت له : شمّها ؛ فشمّها فعطس عند ذلك ، فقال : الحمد لله رب العالمين ، فسكن ما به ، فقال : يا ابن المبارك ؛ أنت فقيه وطبيب! فقلت : مجرّب يا أبا عبد الله. قال : فلمّا رأيته سكن ما به وطابت نفسه ، قلت : إنّي أريد «أن» أسألك حديثا ، قال : سل ما شئت ، قلت : أخبرني من النّاس؟ قال : الفقهاء ، قلت فمن الملوك؟ قال : الزّهّاد ، وقلت : فمن الأشراف؟ قال : الأثقياء ، قلت : فمن السّفلة؟ قال : الظّلمة. ثمّ ودّعته فخرجت) (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النصوص (٥٣٤١).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٣٤٠) عن قتادة مرسلا.
(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط : ج ٢ ص ٤٩٢ : الحديث (١٨٤٩) عن ابن عمر رضي الله عنهما ؛ وقال : «لم يرو هذا الحديث عن الفضيل إلا علي». وفي مجمع الزوائد : ج ١٠ ص ٢٨٩ : كتاب الزهد : باب فيمن أصبح معافى ؛ قال الهثيمي : «رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه علي بن عابس ، وهو ضعيف». والحديث له شاهد أخرجه الترمذي من طريق سلمة بن عبيد الله الخطمي ، عن أبيه ، وكانت له صحبة ، وذلك في الجامع : الحديث (٢٣٤٦) ، وإسناده صحيح.
(٤) كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري : ج ٢ ص ٢٦٣.