وكان ابن عباس يقول : (أنا من الرّاسخين في العلم) (١). وقرأ مجاهد هذه الآية ؛ فقال : (أنا ممّن يعلم تأويله). وروى عكرمة عن ابن عبّاس ؛ قال : (كلّ القرآن أعلم تأويله إلّا أربعا (غسلين) و (حنانا) و (الأوّاه) و (الرّقيم).). وهذا إنّما قاله ابن عباس في وقت ثم علمها بعد ذلك وفسّرها.
وممن اختار تمام الكلام عند قوله (إلّا الله) واستئناف الكلام بقوله (وَالرَّاسِخُونَ) : عائشة وعروة بن الزبير ورواية طاووس عن ابن عباس كذلك أيضا ؛ واختاره الكسائيّ والفرّاء ومحمد بن جرير ؛ وقالوا : (إنّ الرّاسخين لا يعلمون تأويله ، ولكنّهم يؤمنون به) (٢). والآية راجعة على هذا التأويل إلى العلم بمدّة أجل هذه الأمة ؛ ووقت قيام السّاعة وفناء الدّنيا ؛ ووقت طلوع الشمس من مغربها ؛ ونزول عيسى ؛ وخروج الدجّال ويأجوج ومأجوج ؛ وعلم الرّوح ونحوها مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه.
قوله تعالى : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) أخر جمع أخرى ، ولم ينصرف لأنّه معدول عن أخر مثل عمر وزفر ، وقوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) قال بعضهم : هم علماء أهل الكتاب الذين آمنوا منهم ؛ مثل عبد الله بن سلام وأصحابه ، ودليله قوله تعالى (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ)(٣) يعني الدّارسين علم التوراة. وعن أبي أمامة قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الرّاسخون في العلم؟ فقال : [من برّ في يمينه ؛ وصدق لسانه ؛ واستقام قلبه ؛ وعفّ بطنه وفرجه ؛ فذلك الرّاسخ في العلم](٤).
وسئل أنس بن مالك عن تفسير الراسخين في العلم من هم؟ فقال : (الرّاسخ : هو العالم العامل بما علم المتّبع).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٢٠٨).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٢٠٢) بمعناه عن عائشة رضي الله عنها.
(٣) النساء / ١٦٢.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٢١٢) عن أنس بن مالك وأبي أمامة وأبي الدرداء. وفي مجمع الزوائد : ج ٦ ص ٣٢٤ نسبه الهيثمي للطبراني ، وقال : «فيه عبد الله بن يزيد ، ضعيف». ومن طريق أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥٢١٣).