متشابها في آية أخرى ، فقال : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً)(١) أي يشبه بعضه بعضا في الحسن والتصديق.
قوله عزوجل : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) ؛ معناه : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ) ميل عن الحقّ والهدى وهم اليهود فيتّبعون ما اشتبه عليهم من أمر الحروف المقطّعة ، يحسبون ذلك بحساب الجمل (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) ؛ أي طلب الكفر والشّرك ، (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) في طلب تفسير منتهى ما كتب الله لأمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم من المدّة ليرجع الملك إلى اليهود ، (وَما يَعْلَمُ) تفسير ما كتب الله لهذه الأمّة (إِلَّا اللهُ).
وقال الربيع : (إنّ هذه الآية نزلت في وفد نصارى نجران لمّا حاجّوا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في المسيح ؛ فقالوا : أليس هو كلمة الله وروح منه؟ قال : [بلى] قالوا : حسنا ، فأنزل الله هذه الآية) (٢).
وقال ابن جريج : ((الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ؛ أي شكّ وهم المنافقون) (٣). وقال الحسن : (هم الخوارج) ، وقال بعضهم : جميع المبتدعة ، أعاذنا الله من البدعة.
ومعنى الآية : أن النصارى صرفوا كلمة الله إلى ما يقولون من قدم عيسى مع الله عزوجل ، وصرفوا قوله (وَرُوحٌ مِنْهُ)(٤) إلى أنه جزء منه كروح الإنسان ، وإنّما أراد الله تعالى بقوله (وَكَلِمَتُهُ)(٥) أنّ الله تعالى إنّما صيّره بكلمة منه وهي قوله (كُنْ)(٦) فكان ، وسماه روحه لأنه خلقه من غير أب ، بل أمر جبريل فنفخ في جيب مريم عليهاالسلام ؛ فهو روح من الله أضافه إلى نفسه تشريفا له ، كبيت الله وأرض الله.
__________________
(١) الزمر / ٢٣.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥١٨٧).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : النص (٥١٨٢).
(٤) النساء / ١٧١.
(٥) البقرة / ١١٧.
(٦) الشورى / ٥٢.