(صُحُفاً مُنَشَّرَةً) : قراطيس تنشر وتقرأ كالكتب التي يتكاتب بها. أو : كتبا كتبت في السماء ونزلت بها الملائكة ساعة كتبت منشّرة على أيديها غضّة رطبة لم تطو بعد. وذلك أنّهم قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : لم نتّبعك حتّى تأتي كلّ واحد منّا بكتب من السماء عنوانها : من ربّ العالمين إلى فلان بن فلان ، نؤمر فيها باتّباعك. ونحوه قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) ـ الآية ـ من سورة بني إسرائيل. (١) وقيل : كانوا يقولون : إن كان محمّد صادقا ، فليصبح عند رأس كلّ رجل منّا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار. (٢)
وعن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : (صُحُفاً مُنَشَّرَةً) : وذلك أنّهم قالوا : يا محمّد ، بلغنا أنّ الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب يصبح وذنبه مكتوب عند رأسه وكفّارته. فنزل جبرئيل وقال : يسأل قومك سنّة بني إسرائيل في الذنوب. فإن شاؤوا فعلنا ذلك بهم وأخذناهم بما كنّا نأخذ به بنى إسرائيل. فزعموا أنّ رسول الله كره ذلك لقومه. (٣)
[٥٣ ـ ٥٥] (كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥))
(كَلَّا). ردعهم عن تلك الإرادة وزجرهم عن اقتراح الآيات. (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ). فلذلك أعرضوا عن التذكرة. [ثمّ ردعهم عن إعراضهم عن التذكرة] وقال : (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ). يعني تذكرة بليغة كافية مبهم أمرها. (فَمَنْ شاءَ) أن يذكره ولا يسناه ويجعله نصب عينه ، فعل. وإنّ نفع ذلك راجع إليه. والضمير في إنّه وذكره للتذكرة وإنّما ذكّر لأنّها في معنى الذكر أو القرآن. (٤)
[٥٦] (وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦))
(إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ). هذه المشيّة غير الأولى. إذ لو كانت واحدة ، لتناقض. والأولى مشيّة اختيار والثانية مشيّة إجبار وإكراه. والمعنى : انّ هؤلاء الكفّار لا يذكرون إلّا أن يجبرهم الله
__________________
(١) الإسراء (١٧) / ٩٣.
(٢) الكشّاف ٤ / ٦٥٦.
(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٩٦.
(٤) الكشّاف ٤ / ٦٥٦ ـ ٦٥٧.