له. كقوله : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ). (١) والدليل عليه : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ؛ أي : عالم بكفركم وإيمانكم اللّذين هما من عملكم. والمعنى : هو الذي تفضّل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد ، فيجب أن تكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين. فما فعلتم مع تمكّنكم بل تفرّقتم فرقا فمنكم كافر ومنكم مؤمن. وقدّم الكفر لانّه الأغلب والأكثر. وقيل : هو الذي خلقكم. فمنكم كافر بالخلق وهو الدهريّة. ومنكم مؤمن به. فإن قلت : نعم ، إنّ العباد هم الفاعلون للكفر ، ولكن سبق في علم الحكيم أنّه إذا خلقهم لم يفعلوا إلّا الكفر ولم يختاروا غيره. فما دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم؟ وهل خلق القبيح وخلق فاعل القبيح إلّا واحد؟ وهل مثله إلّا مثل من وهب سيفا باترا لمن شهر بقطع السبيل وقتل النفس المحرّمة فقتل به مؤمنا؟ أما يطبق العقلاء على ذمّ الواهب كما يذمّون القاتل؟ قلت : قد علمنا أنّ الله عليم حكيم بقبح القبيح عالم بغناه عنه. فقد علمنا أنّ أفعاله كلّها حسنة. وخلق فاعل القبيح فعله ، فوجب أن يكون له وجه حسن. وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه ؛ كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته جهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها. (٢)
عن أبي عبد الله عليهالسلام في قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) فقال : عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بها يوم أخذ الميثاق عليهم في صلب آدم عليهالسلام وهم ذرّ. (٣)
[٣] (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣))
(بِالْحَقِّ) ؛ أي : العدل وإحكام الصنعة وصحّة التقدير. (٤)
(بِالْحَقِّ) ؛ أي : الغرض الصحيح ، وهو أن جعلها مقارّ المكلّفين ليعملوا فيجازيهم. (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ). هو أن جعلهم أحسن الحيوان كلّها ؛ بدليل أنّ الإنسان لا يتمنّى أن يكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور. فإن قلت : فكم من دميم مشوّه الصورة
__________________
(١) الحديد (٥٧) / ٢٦.
(٢) الكشّاف ٤ / ٥٤٦.
(٣) الكافي ١ / ٤١٣ ، ح ٤.
(٤) مجمع البيان ١٠ / ٤٤٧.