وقتل منهم ، ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد أجير لعمر يقود فرسه وسنان الجهنيّ حليف لعبد الله بن أبيّ واقتتلا. فصرخ جهجاه للمهاجرين وسنان بالأنصار. فأعان جهجاها جعال من فقراء المهاجرين ولطم سنانا. فقال عبد الله لجعال : وأنت هناك؟ وقال : ما صحبنا محمّدا إلّا لنلطم! والله ما مثلنا ومثلهم إلّا كمن قال : سمّن كلبك يأكلك. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ. يعني بالأعزّ نفسه وبالأذلّ رسول الله. ثمّ قال لقومه : ماذا فعلتم بأنفسكم؟ أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم! أما والله لئن أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام ، لم يركبوا رقابكم ولأوشكوا أن يتحوّلوا عنكم. فلا تنفقوا عليهم حتّى ينفضّوا من حول محمّد. فسمع ذلك زيد بن أرقم ـ وهو حدث ـ فقال : أنت ـ والله ـ الذليل القليل المبغض في قومك ومحمّد في عزّ من الرحمن وقوّة من المسلمين. فقال عبد الله : اسكت. فإنّما كنت ألعب. فأخبر زيد رسول الله. فقال له الرسول : أنت صاحب الكلام الذي بلغني؟ قال : والله الذي أنزل عليك الكتاب ، ما قلت شيئا من ذلك. وإنّ زيدا لكاذب. فهو قوله : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً). فقال الحاضرون : يا رسول الله ، شيخنا وكبيرنا. لا تصدّق عليه كلام غلام. عسى أن يكون قد وهم. فلمّا نزلت ، لحق رسول الله زيدا من خلفه فعرك أذنه وقال : وفت أذنك يا غلام. إنّ الله قد صدّقك وكذّب المنافقين. ولمّا أراد عبد الله أن يدخل المدينة ، اعترضه ابنه عبيد الله (١) ـ وكان مخلصا ـ فقال : لا تدخلها ـ والله ـ حتّى تقول : رسول الله الأعزّ وأنا الأذلّ. وإلّا لأضربنّ عنقك. فلمّا رأى منه الجدّ قال : أشهد أنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين. فقال له رسول الله : جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا. فلمّا بان كذب عبد الله ، قيل له : قد نزلت فيك آي شداد. فاذهب إلى رسول الله يستغفر لك. فلوّى رأسه فقال : أمرتموني أن أومن فآمنت. وأمرتموني أن أزكّي مالي فزكّيت. فما بقي إلّا أن أسجد لمحمّد! فنزلت : (وَإِذا قِيلَ) ـ الآية. فلم يلبث إلّا أيّاما قلائل حتّى اشتكى ومات. (٢)
[٦] (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي
__________________
(١) المصدر : عبد الله.
(٢) الكشّاف ٤ / ٥٤١ ـ ٥٤٣.