ووقعت القسمة ، نقلوا ذلك الشحّ وتلك الضنّة والرفرفة عليكم إلى الخير ـ وهو المال والغنيمة ـ ونسوا تلك الحالة الأولى واجترؤوا عليكم وضربوكم بألسنتهم وقالوا : وفّروا قسمتنا. فإنّا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم. وبمكاننا غلبتم عدوّكم. وبنا نصرتم عليه. ونصب أشحّة على الحال أو الذمّ. (١)
(أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا) إخلاصا. (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) ؛ أي : أظهر بطلانه ، إذ لم يثبت أعمالهم فتبطل. أو : أبطل تصنّعهم ونفاقهم. (وَكانَ ذلِكَ) ؛ أي : الإحباط. (يَسِيراً) : هيّنا ، لتعلّق الإرادة به وعدم ما يمنعه عنه. (٢)
(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) ؛ أي : بخلاء بالقتال معكم. أو : بخلاء بالنفقة في سبيل الله. ومعناه : لا ينصرونكم. ثمّ أخبر عن جبنهم فقال : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ). (كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ). وهو الذي قرب من الموت فيذهل ويذهب عقله. فإذا ذهب الفزع وجاء الأمن والغنيمة ، آذوكم بالكلام وخاصموكم بألسنة ذربة يقولون : أعطونا من الغنيمة ؛ فلستم أحقّ منّا. فأمّا عند البأس فأجبن قوم. وأمّا عند الغنيمة فأشحّ [قوم]. وهو قوله : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) ؛ أي : بخلاء بالغنيمة يشاحّون المؤمنين عند القسمة. وقيل : بخلاء بأن يتكلّموا بكلام فيه خير. (أُولئِكَ). يعني المنافقين. (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ). لأنّهم لم يقصدوا بها وجه الله. وفيه دلالة على مذهبنا في الإحباط. لأنّ المنافقين ليس لهم ثواب فيحبط. فليس [إلّا] أنّ جهادهم الذي لم يقارنه إيمان لم يستحقّوا عليه ثوابا. (وَكانَ ذلِكَ) الإحباط [(عَلَى اللهِ يَسِيراً)]. (٣)
[٢٠] (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠))
أي : يحسبون أنّ الأحزاب لم ينهزموا ، فانصرف المنافقون عن الخندق إلى المدينة راجعين لما نزل بهم من الخوف الشديد ودخلهم من الجبن المفرط. (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ)
__________________
(١) الكشّاف ٣ / ٥٣٠.
(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٤٢.
(٣) مجمع البيان ٨ / ٥٤٦ ـ ٥٤٧.