(ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا). فإن قلت : ما معنى ثمّ وهي للتراخي وعدم الارتياب يجب أن يكون مقارنا للإيمان لأنّه وصف فيه لما بيّنت من إفادة الإيمان معنى الثقة والطمأنينة التي حقيقتها التيقّن وانتفاء الريب؟ قلت : الجواب على طريقين. أحدهما : انّ من وجد منه الإيمان ، ربما اعترضه الشيطان أو بعض المضلّين فشكّكه وقذف في قلبه ما يثلم يقينه ثمّ يستمرّ على ذلك لا يطلب له مخرجا. فوصف المؤمنون حقّا بالبعد عن هذه الموبقات. ونظيره قوله : (ثُمَّ اسْتَقامُوا). (١) والثاني : انّ الإيقان وزوال الريب لمّا كان ملاك الإيمان ، أفرد بالذكر بعد تقدّم الإيمان ، تنبيها على مكانه. وعطف على الإيمان بكلمة التراخي إشعارا باستقراره في الأزمنة المتراخية المتطاولة غضّا جديدا. (٢)
[١٧] (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧))
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ). كانوا يقولون : آمنّا بك من غير قتال وقاتلك بنو فلان. فقال : يمنّون عليك بأن أسلموا. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في ادّعائكم الإيمان. (٣)
وقوله : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) نزلت في عثمان يوم الخندق. وذلك أنّه مرّ بعمّار بن ياسر وهو يحفر الحندق وقد ارتفع الغبار من الحفرة ، فوضع كمّه على أنفه ومرّ. فقال عمّار :
لا يستوي من يعمر المساجد |
|
فيصلّي فيها راكعا وساجدا |
كمن يمرّ بالغبار حائلا (٤) |
|
يعرض عنه جاحدا معاندا |
فالتفت إليه عثمان فقال : يابن السوداء ، إيّاي تعني؟ ثمّ أتى رسول الله فقال : لم ندخل معك لتسبّ أعراضنا! فقال رسول الله : قد أقلتك إسلامك. فاذهب. فأنزل الله : (يَمُنُّونَ) ـ الآية. أي ليسوا صادقين. (٥)
__________________
(١) فصّلت (٤١) / ٣٠.
(٢) الكشّاف ٤ / ٣٧٧.
(٣) مجمع البيان ٩ / ٢٠٩.
(٤) المصدر : حائدا.
(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣.