(قالَتِ الْأَعْرابُ). وهم قوم من بني أسد أتوا النبيّ في سنة جدبة وأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السرّ إنّما كانوا يطلبون الصدقة. والمعنى أنّهم قالوا : صدّقنا بما جئت به ، فأمره سبحانه أن يخبرهم بذلك ليكون معجزة له. (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) ؛ أي : لم تصدّقوا في الباطن حقيقة. (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ؛ أي : انقدنا واستسلمنا مخافة السبي والقتل. ثمّ بيّن سبحانه أنّ الإيمان محلّه القلب واللّسان. قال : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ؛ أي : لم تصدّقوا بعد ما أسلمتم تعوّذا من القتل. فالمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر. والذي يظهر الإسلام تعوّذا من القتل غير مؤمن في الحقيقة إلّا أنّ حكمه في الظاهر حكم المسلمين. (لا يَلِتْكُمْ) ؛ أي : لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا. لات يليت ؛ أي : نقص. أهل البصرة : لا يألتكم بالألف. (١)
(وَلَمَّا يَدْخُلِ). توقيت لقولوا. فإنّه حال من ضميره. أي : ولكن قولوا أسلمنا ولم تواطىء قلوبكم ألسنتكم بعد. (٢)
[١٥ ـ ١٦] (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦))
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ). نزلت في أمير المؤمنين عليهالسلام. (٣)
(لَمْ يَرْتابُوا) ؛ أي : لم يشكّوا في دينهم بعد الإيمان. (هُمُ الصَّادِقُونَ) في أقوالهم دون من يقول ما ليس في قلبه. فلمّا نزلت الآيتان ، أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله يحلفون أنّهم مؤمنون صادقون في دعواهم الإيمان ، فأنزل الله : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) ؛ أي : إنّه عالم بذلك فلا يحتاج إلى إخباركم به. وهذا استفهام إنكار وتوبيخ. أي : كيف تعلّمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض؟ (٤)
__________________
(١) مجمع البيان ٩ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨ و ٢٠٢.
(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤١٨.
(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٢٢.
(٤) مجمع البيان ٩ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.