عندهم متقدّما ومتأخّرا وما كان يظهر من عداوته في مقابلة عداوتهم له. فلمّا رأوه قد تحكّم وتمكّن وما استقصى ، غفروا ما ظنّوه من الذنب. (١)
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) ـ الآية. وذلك أنّ الناس قد علموا عام الفيل أنّ مكّة لا يتسلّط عليها عدوّ لله ، فلمّا فتحت للرسول ، عرف أنّه حبيب الله المغفور له. (٢)
عن الرضا عليهالسلام في قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) قال عليهالسلام : لم يكن أحد عند مشركي مكّة أعظم ذنبا من رسول الله صلىاللهعليهوآله. لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستّين صنما ، فلمّا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص ، كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ). (٣) فلمّا فتح الله على يدي نبيّه مكّة قال له : يا محمّد ، (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) عند مشركي قريش بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر. لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة ومن بقي منهم لم يقدر على [إنكار] التوحيد. فصار ذنبه في ذلك عندهم مغفورا بظهوره عليهم. (٤)
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ). علّة للفتح من حيث إنّه مسبّب عن جهاد الكفّار والسعي في إعلاء الدين وإزاحة الشرك وتكميل النفوس الناقصة قهرا ليصير بالتدريج اختيارا وتخليص الضعفة عن أيدي الظلمة. (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ؛ أي : جميع ما فرط منك ممّا يصحّ أن تعاتب عليه. (٥)
[٣] (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣))
(نَصْراً عَزِيزاً). النصر العزيز هو ما يمتنع به من كلّ جبار عنيد. (٦)
__________________
(١) سعد السعود / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.
(٢) تفسير النيسابوريّ ١٦ / ٥١.
(٣) ص (٣٨) / ٥.
(٤) عيون الأخبار ١ / ١٦٠ ـ ١٦١ ، ح ١.
(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ٤٠٧.
(٦) مجمع البيان ٩ / ١٦٩.