فتحا بغير قتال. وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمؤمنين فسمعوا كلامهم فتمكّن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق فكثر بهم سواد الإسلام. (١)
[٢] (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢))
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ). قيل فيه أقوال كلّها غير موافق لمذهب الإماميّة من أنّ الأنبياء معصومون من الذنوب. ولأصحابنا فيه وجهان من التأويل. أحدهما : انّ المراد : ما تقدّم من ذنب أمّتك وما تأخّر بشفاعتك. وأراد ما تقدّم زمانه وما تأخّر. وعن أبي عبد الله عليهالسلام في هذه الآية قال : ما كان له ذنب ولا همّ بذنب ؛ ولكنّ الله حمّله ذنوب شيعتنا ثمّ غفرها له. الثاني : ما ذكره المرتضى رحمهالله من أنّ الذنب مصدر وهو هنا مضاف إلى المفعول. والمراد : ذنبهم إليك في منعهم إيّاك وصدّهم لك عن المسجد الحرام. ويكون المغفرة على هذا التأويل بمعنى الإزالة والنسخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه. أي : يزيل الله ذلك عنك ويستر عليك تلك الوصمة بما يفتح لك من مكّة ، فستدخلها من بعد. ولذلك جعله جزاء على جهاده وغرضا في الفتح. وأمّا قوله : (ما تَقَدَّمَ) و (ما تَأَخَّرَ) فلا يمتنع أن يريد به ما تقدّم زمانه من فعلهم القبيح بك وبقومك. (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) في الدنيا بإظهارك على عدوّك وفي الآخرة برفع محلّك. (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً) ؛ أي : يثبّتك على صراط يؤدّي بسالكه إلى الجنّة. (٢)
وأمّا لفظ ما تقدّم من الذنب وما تأخّر ، فالذي نقلناه من طريق أهل بيت النبوّة صلوات الله عليهم أنّ المراد منه : ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر عند أهل مكّة وقريش. يعني ما تقدّم قبل الهجرة وما بعدها. فإنّك إذا فتحت مكّة بغير قتل لهم ولا استئصال ولا أخذهم بما قدّموه من العداوة والقتال ، غفروا ما كانوا يعتقدونه ذنبا لك
__________________
(١) مجمع البيان ٩ / ١٦٦.
(٢) مجمع البيان ٩ / ١٦٨ ـ ١٦٩.