والتثنية ـ وهو للتكرار ـ لأنّ النفوس أنفر شيء من الوعظ والنصيحة. ولهذا
كان رسول الله يكرّر عليهم المواعظ ثلاثا وسبعا ليغرسه في صدورهم. (تَقْشَعِرُّ). يقال : اقشعرّ الجلد ، إذا تقبّض. ويقال : اقشعرّ جلده
من الخوف : وقف شعره. وهو مثل في شدّة الخوف. فيجوز أن يريد به سبحانه التمثيل
تصويرا لإفراط خشيتهم ، وأن يريد به التحقيق ، والمعنى : انّهم إذا سمعوا بالقرآن
وبآيات وعيده ، أصابتهم خشية تقشعرّ منها جلودهم ، ثمّ إذا ذكروا الله ورحمته
وجوده بالمغفرة ، لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة.
وتعدية تلين بإلى لتضمينه معنى سكنت واطمأنت.
(ذلِكَ) ؛ أي : القرآن (هُدَى اللهِ يَهْدِي
بِهِ) ؛ أي : بما نصب فيه من الأدلّة (مَنْ يَشاءُ) من أمّة محمّد صلىاللهعليهوآله. (وَمَنْ يُضْلِلِ
اللهُ) عن طريق الجنّة ، فلا يقدر أحد على هدايته. أو : من ضلّ
عن الله ورحمته ، فلا هادي له.
[٢٤] (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ
الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ
(٢٤))
(أَفَمَنْ يَتَّقِي
بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) ؛ أي : أفحال من يدفع عذاب الله بوجهه يوم القيامة كحال
من يأتي آمنا لا تمسّه النار؟ وإنّما قال : (بِوَجْهِهِ) لأنّ الوجه أعزّ أعضاء الإنسان. (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ) ؛ أي : يقول خزنة جهنّم للكافرين. (ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ؛ أي : جزاءه.
(أَفَمَنْ يَتَّقِي
بِوَجْهِهِ) : يجعله درقة يتّقي به نفسه. لأنّه تكون مغلولة يداه
إلى عنقه فلا يقدر أن يتّقي إلّا بوجهه. (سُوءَ الْعَذابِ
يَوْمَ الْقِيامَةِ) كمن هو آمن منه. فحذف الخبر كما حذف في نظائره. (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ) ؛ أي : لهم. وضع الظاهر موضعه تسجيلا عليهم بالظلم
وإشعارا بالموجب [لما يقال لهم].
__________________