(وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ؛ أي : جعلت فيه الروح. (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) ؛ أي : فاسجدوا له. (١)
[٧٣] (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣))
فإن قلت : كيف ساغ السجود لغير الله؟ قلت : الذي لا يسوغ هو السجود لغير الله على وجه العبادة. فأمّا على وجه التكرمة والتبجيل ، فلا يأباه العقل إلّا أن يعرف الله فيه مفسدة فينهى عنه. (٢)
[٧٤] (إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤))
فإن قلت : كيف استثني إبليس من الملائكة وهو من الجنّ؟ قلت : قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) ثمّ استثني كما يستثنى الواحد [منهم] استثناء متّصلا. (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ). أريد وجود كفره ذلك الوقت وإن لم يكن قبله كافرا. ويجوز أن يراد من الكافرين في الأزمنة السابقة في علم الله. (٣)
فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد ـ وكان قد عبد الله ستّة آلاف سنة لا يدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة ـ عن كبر ساعة واحدة. فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته؟ كلّا! ما كان ـ سبحان الله ـ ليدخل الجنّة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا. إنّ حكمه في أهل السماء وأهل الأرض لواحد وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرّمه الله على العالمين. (٤)
[٧٥] (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥))
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٧٥٧.
(٢) الكشّاف ٤ / ١٠٥.
(٣) الكشّاف ٤ / ١٠٥.
(٤) نهج البلاغة / ٢٨٧ ، من الخطبة القاصعة (١٩٢).