إلى كلّ من القولين ذهب طائفة. وكلا القولين قد رواه أصحابنا عن أئمّتنا عليهمالسلام إلّا أنّ الأظهر في الروايات أنّه إسماعيل. ويؤيّده قوله بعد قصّة الذبح : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا) مع قوله صلىاللهعليهوآله : (أنا ابن الذبيحين) ولا خلاف أنّه من ولد إسماعيل. وحجّة من قال إنّه إسحاق أنّ أهل الكتاب أجمعوا على ذلك. وفيه أنّ قولهم غير مقبول. على أنّهم إنّما قالوا ذلك حسدا للعرب ـ كما اعترف به من أسلم منهم ـ لأنّ إسحاق أبوهم. على أنّ الذبح إنّما كان بمكّة والذي كان بها هو إسماعيل. واستدلّ بهذه الآية من جوّز نسخ الشيء. وأجيب عنه بأنّه سبحانه لم يأمره بالذبح الذي هو فري الأوداج بل مقدّماته وقد فعلها ، ولهذا قال : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا). وأمّا الفداء ، فلما كان يتوقّعه من الأمر بالذبح. أو إنّه أمر بصورة الذبح وقد فعله ؛ لأنّه فرى أوداج ابنه ولكنّه [كلّما] فرى جزءا منه التحم. أو إنّه أمره بالذبح لكنّه جعل في عنقه صفحة من نحاس لم يقطعها السكّين. (١)
اختلف الروايات في الذبيح. فمنها ما ورد بأنّه إسماعيل. ومنها ما ورد بأنّه إسحاق. ولا سبيل إلى ردّ الأخبار متى صحّ طرقها. وكان الذبيح إسماعيل ، لكنّ إسحاق لمّا ولد بعد ، تمنّى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله ويسلّم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب ، فعلم الله ذلك من قلبه فسمّاه بين ملائكته ذبيحا لتمنّيه لذلك. وقد ذكرت إسناد ذلك في كتاب النبوّة متّصلا بالصادق عليهالسلام. وسئل الصادق عليهالسلام : [أين أراد إبراهيم أن يذبح ابنه؟ فقال : على الجمرة. و] لمّا أراد إبراهيم أن يذبح ابنه ، قلب جبرئيل المدية واجترّ الكبش من قبل ثبير واجترّ الغلام من تحته ونودي من ميسرة مسجد الخيف أن يا إبراهيم ، قد صدّقت الرؤيا. (٢)
عن الصادق : ما بدا الله بداء كما بدا له في إسماعيل إذ أمر أباه بذبحه ثمّ فداه بذبح عظيم. (٣)
ثمّ قال : إنّ لله إرادتين ومشيّتين ؛ إرادة حتم وإرادة عزم. ينهى وهم يشاء ، ويأمر وهو
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٧٠٧ ـ ٧٠٨.
(٢) الفقيه ٢ / ١٤٨.
(٣) التوحيد / ٣٣٦ ، ح ١١.