السموات. فلمّا فرغ من الوحي ، انحدر جبرئيل وكشف عن قلوب الملائكة الرعب ، فقال بعضهم لبعض : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ). يعني الوحي. (١)
(حَتَّى إِذا فُزِّعَ). غاية لمفهوم الكلام من أنّ ثمّ توقّفا وانتظارا للإذن. أي : يتربّصون فزعين حتّى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بالإذن (قالُوا) ؛ أي : قال بعضهم [لبعض] : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) في الشفاعة؟ (قالُوا الْحَقَّ) : قالوا : قال القول الحقّ ، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى وهم المؤمنون. (الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) : ذو العلوّ والكبرياء ، ليس لنبيّ ولا ملك أن يتكلّم اليوم إلّا بإذنه. (٢)
[٢٤] (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤))
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). فإنّهم لا يمكنهم أن يقولوا ترزقنا آلهتنا التي نعبدها. ثمّ عند ذلك قل : الله يرزقكم. (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ). إنّما قال ذلك على وجه الإنصاف في الحجاج دون الشكّ. كما يقول القائل لغيره : أحدنا كاذب ، وإن كان هو عالما بالكاذب. وقيل : إنّه جمع بين الخبرين وفوّض التمييز إلى العقول. فكأنّه قال : نحن على هدى وأنتم على ضلال. وقيل : إنّما قال على وجه الاستعطاف والمداراة ليسمع الكلام. وهذا [من] أحسن ما ينسب به المحقّ نفسه إلى الهدى وخصمه إلى الضلال. لأنّه كلام من لا يكاشف خصمه بالتضليل بل ينسبه إليه على أحسن وجه ويحثّه على النظر ولا يجب النظر إلّا بعد تردّد. (٣)
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ). أمرهم بأن يقرّرهم بقوله : (مَنْ يَرْزُقُكُمْ) ثمّ أمرهم بأن يتولّى الإجابة والإقرار عنهم بقوله : يرزقكم الله. وذلك للإشعار بأنّهم مقرّون به بقلوبهم إلّا أنّهم ربما أبوا أن يتكلّموا به. لأنّ الذي تمكّن في صدورهم من العناد وحبّ الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحقّ مع علمهم بصحّته ، ولأنّهم إن يقولوا بأنّ الله رازقهم لزم أن يقال
__________________
(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٠٢.
(٢) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١.
(٣) مجمع البيان ٨ / ٦٠٩ ـ ٦١٠.