فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١))
(إِلَّا لِنَعْلَمَ) ؛ أي : لم نمكّنه من وسوستهم وإغوائهم إلّا لنميّز بين من يقبل منه ومن يمتنع فنعذّب ونثيب. فعبّر عن هذا التمييز بالعلم ، وإلّا فهو سبحانه عالم بأحوالهم فيما لم يزل. أو : لنعلم طاعاتهم موجودة أو معاصيهم ـ إن عصوا ـ فنجازيهم بحسبها. لأنّه لا يجازي أحدا على ما يعلم من حاله إلّا بعد أن يقع ذلك منه. (١)
[٢٢] (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢))
(قُلِ ادْعُوا) ؛ أي : قل يا محمّد لهؤلاء المشركين : ادعوا الذين زعمتم أنّهم آلهة وأنّهم شفعاؤكم. وهذا نوع توبيخ لا أمر ، ليعلموا أنّ أوثانهم لا تنفعهم ولا تضرّهم. ثمّ أجاب عنهم إشعارا بتعيّن الجواب وأنّه لا يقبل المكابرة فقال : (لا يَمْلِكُونَ) بأنفسهم واختيارهم (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) : زنة ذرّة من خير أو شرّ (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) : في أمرهما. وذكرهما للعموم العرفيّ ، أو لأنّ آلهتهم بعضها سماويّة كالملائكة والكواكب وبعضها أرضيّة كالأصنام ، أو لأنّ الأسباب القريبة للخير والشرّ سماويّة وأرضيّة. (وَما لَهُمْ فِيهِما) ؛ أي : ليس لهم في خلق السموات والأرض من شركة ونصيب. (وَما لَهُ مِنْهُمْ) ؛ أي : ليس له سبحانه منهم معاون على خلق السموات والأرض. (٢)
مذاهب أهل الشرك أربعة : أحدها قولهم : إنّا نعبد الملائكة والكواكب وهم آلهتنا والله إلهم. فأبطل الله قولهم بأنّهم لا يملكون في السموات شيئا كما اعترفتم ولا في الأرض على خلاف ما زعمتم أنّ الأرض والأرضيّات في حكمهم. وثانيها قول بعضهم : إنّ السموات من الله على سبيل الاستقلال. وإنّ الأرضيّات منهنّ ولكن بواسطة الكواكب واتّصالاتها وتصرّفاتها. فأبطل معتقدهم بقوله : (وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ). أي الأرض كالسماء لله ليس
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٦٠٨.
(٢) مجمع البيان ٨ / ٦٠٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ٢٦٠.