حاله فيما يصحّ منه من الطاعة و [يليق به من الانقياد لأمر الله](١) مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منه ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع. والمراد بالأمانة الطاعة لأنّها لازمة الوجود. كما أنّ الأمانة لازمة الأداء. وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها مجاز. وأمّا حمل الأمانة ، فمن قولك : فلان حامل للأمانة ؛ أي : لا يؤدّيها إلى صاحبها حتّى تزول عن ذمّته ويخرج عن عهدتها. فمعنى (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) : فأبين أن لا يؤدّينها وأبى الإنسان إلّا أن يكون محتملا لها لا يؤدّيها. ثمّ وصفه بالظلم لكونه تاركا لأداء الأمانة ، وبالجهل لإخطائه ما يسعده مع تمكّنه منه وهو أداؤها. الثاني : إنّ ما كلّفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنّه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام أن يحمله فأبى حمله وأشفق منه ، وحمله الإنسان على ضعفه. (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) حيث حملها ولم يف بها. والممثّل به في الآية مفروض والمفروضات تتخيّل في الذهن. ومثّلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت [على] السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها. (٢)
(الْأَمانَةَ). هي الإمامة والأمر والنهي. والدليل على أنّ الأمانة هي الإمامة قوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٣) يعني الإمامة. والإمامة عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يدّعوها أو يغصبوها. (٤)
أقول : قد استفاض في الروايات عن الأئمّة عليهمالسلام أنّ المراد بالأمانة هنا خلافة عليّ بن أبي طالب عليهالسلام والمراد بالإنسان الظلوم الذي يحملها هو الأعرابيّ الأوّل. (٥)
[٧٣] (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))
__________________
(١) في النسخة : «أمر الله» بدل ما بين المعقوفتين.
(٢) الكشّاف ٣ / ٥٦٤ ـ ٥٦٥.
(٣) النساء (٤) / ٥٨.
(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ١٩٨.
(٥) العيون ١ / ٣٠٦ ، ح ٦٦ ، والكافي ١ / ٤١٣ ، ح ٢ ، والمعاني الأخبار / ١١٠ ، ح ٢ ، وبصائر الدرجات / ٩٦ ، ح ٣.