المراد بحمل الأمانة تضييعها. لأنّ نفس الأمانة قد حملتها الملائكة وقامت بها. قال الزجّاج : كلّ من خان الأمانة ، فقد حملها. ومن لم يحمل الأمانة ، فقد أدّاها. ومنه قولهم : الكافر والمنافق حملا الأمانة ؛ أي : خانا ولم يطيعا. وقيل : معنى عرضنا : عارضنا وقابلنا. فإنّ عرض الشيء [على الشيء] ومعارضته به سواء. والأمانة التكليف. يعني أنّ هذه الأمانة في عظم شأنها لو قيست إلى السموات والأرض وعورضت بها ، لكانت هذه الأمانة أرجع وأثقل وزنا. ومعنى قوله : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) : ضعفن عن حملها. كذلك (وَأَشْفَقْنَ). لأنّ الشفقة ضعف القلب. ثمّ قال : إنّ هذه الأمانة التي صفتها أنّها أعظم من هذه الأشياء تقلّدها الإنسان فلم يحفظها بل حملها وضيّعها لظلمه على نفسه ولجهله بمبلغ الثواب والعقاب. وقيل : إنّه على وجه التقدير والفرض. أي : لو كانت السموات والأرض عاقلة ثمّ عرضت عليها الأمانة ، وهي أصول الدين وفروعها ، لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها وقوّتها ولا متنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقّها. ثمّ حملها الإنسان مع ضعف جسمه ولم يخف الوعيد لظلمه وجهله. وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عبّاس أنّها عرضت على نفس السموات والأرض فامتنعت من حملها. وقيل : معنى العرض والإباء ليس هو ما يفهم بظاهر الكلام. بل المراد تعظيم شأن الأمانة لا مخاطبة الجماد. تقول : خاطبت الدار فامتنعت عن الجواب. فالأمانة على هذا ما أودع الله السموات والأرض والجبال من الدلائل على وحدانيّته وربوبيّته فأظهرنها والإنسان الكافر جحدها لظلمه وجهله. ولم يرد بقوله : (الْإِنْسانُ) جميع الإنسان بل الكافر منهم. (١)
(الْأَمانَةَ). يريد بالأمانة الطاعة. فعظّم أمرها وفخّم شأنها. وفيه وجهان. أحدهما : انّ هذه الأجرام العظام من السموات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله انقياد مثلها من الجمادات وأطاعت له الطاعة التي يليق بها حيث لم يمتنع على إرادته إيجادا وتكوينا على هيآت مختلفة وأنواع متنوّعة. كما قال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ). (٢) وأمّا الإنسان ، فلم يكن
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٥٨٤ ـ ٥٨٦.
(٢) فصّلت (٤١) / ١١.