وأتى بقصّة نوح عليهالسلام لتثبيت النبيّ صلىاللهعليهوآله. كأنّه قيل : إنّ نوحا لبث ألف سنة تقريبا يدعو قومه ولم يؤمن منهم إلّا القليل. فأنت أولى بالصبر لقلّة لبثك وكثرة عدد أمّتك. وفيه تحذير لكفّار قريش. فإنّ أولئك ما نجوا مع طول أعمارهم. (١)
كان عمر نوح عليهالسلام ألفا وخمسين سنة. بعث على رأس أربعين ولبث في قومه تسعمائة وخمسين. وعاش بعد الطوفان ستّين. فإن قلت : هلّا قيل : تسعمائة وخمسين سنة؟ قلت : ما أورده الله أحكم. لأنّه لو قيل كما قلت ، لجاز أن يتوهّم إطلاق هذا العدد على أكثره وهذا التوهّم زائل مع مجيئه كذلك. كأنّه قيل : تسعمائة وخمسين سنة كاملة. وفيه نكتة أخرى ؛ وهي أنّ القصّة مسوقة لذكر ما ابتلي به نوح من أمّته وما كابده من طول المصابرة تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوآله وتثبيتا له ، فكان ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكبر منه أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدّة صبره. واختلاف المميّزين لما في التكرير من البشاعة. (٢)
(فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) ؛ أي : طوفان الماء. والطوفان : ما أطاف وأحاط بكثرة وغلبة من سيل أو ظلام ليل أو نحوهما. (٣)
[١٥] (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥))
(وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) ؛ أي : من ركب معه. وكانوا ثمانين أو ثمانية وسبعين نصفهم ذكور ونصفهم إناث. منهم أولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم. (وَجَعَلْناها) ؛ أي : السفينة أو الحادثة أو القصّة. (آيَةً لِلْعالَمِينَ) يستدلّون بها ويتّعظون. (٤)
[١٦] (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦))
(وَإِبْراهِيمَ). عطف على نوحا ، أو نصب بإضمار اذكر. (إِذْ قالَ). ظرف لأرسلنا. أي : أرسلناه حين كمل عقله وتمّ نظره بحيث عرف الحقّ وأمر الناس به. (خَيْرٌ لَكُمْ). أي ممّا أنتم
__________________
(١) تفسير النيسابوريّ ٢٠ / ٨٢.
(٢) الكشّاف ٣ / ٤٤٥.
(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٠٥.
(٤) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٠٥ ، والكشّاف ٣ / ٤٤٦.