إذن بين غيّنا وغيّهم. وإن كان تسويلنا داعيا لهم إلى الكفر ، فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان بما وضع فيهم من أدلّة العقل وإرسال الرسل. وناهيك بذلك صارفا عن الكفر وداعيا إلى الإيمان. وهذا معنى ما حكاه الله عن الشيطان : (إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) ـ الآية. (١) والله قدّم هذا المعنى أوّل شيء [حيث] قال : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ـ اه. (٢)(تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم وممّا اختاروه من الكفر بأنفسهم هوّى منهم للباطل ومقتا للحقّ لا بقوّة منّا على استكراههم ولا سلطان. (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ). إنّما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم. (٣)
[٦٤] (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤))
(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) ؛ أي : يقال للأتباع : ادعوا الذين عبد تموهم من دون الله وزعمتم أنّهم شركائي ليدفعوا عنكم العذاب. (فَدَعَوْهُمْ) من فرط الحيرة. (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) لعجزهم عن الإجابة والنصرة. (وَرَأَوُا الْعَذابَ) لأربابهم. (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) لوجه من الحيل يدفعون به العذاب ، أو إلى الحقّ ، لما رأوا العذاب. وقيل : لو للتمنّي. أو يكون تقديره : لو أنّهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب ، أي لاعتقدوا أنّ العذاب حقّ. وهذا القول أولى لدلالة الكلام على المحذوف. (٤)
[٦٥] (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥))
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ). عطف على الأوّل. فإنّه تعالى يسأل أوّلا عن إشراكهم به ثمّ عن تكذيبهم الأنبياء. (٥)
__________________
(١) إبراهيم (١٤) / ٢٢.
(٢) الحجر (١٥) / ٤٢.
(٣) الكشّاف ٣ / ٤٢٦.
(٤) مجمع البيان ٧ / ٤٠٩ ، وتفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٨.
(٥) تفسير البيضاويّ ٢ / ١٩٨.