المغرب وهلك العمّال. وروي : انّ فرعون قد ارتقى فوقه فرمى بنشّابة نحو السماء. وأراد الله أن يفتنهم فردّت إليه وهو ملطوخة بالدم. فقال : قد قتلت إله موسى. فعندها بعث الله جبرئيل لهدمه. (ما عَلِمْتُ لَكُمْ). قصد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده. ويجوز أن يكون على ظاهره وأنّ إلها غيره غير معلوم ولكنّه مظنون ، بدليل قوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ). فإذا لم يعلم كذب موسى ، فقد ظنّ أنّ في الوجود إلها غيره. ولو لم يكن المخذول [ظانّا] ظنّا [كاليقين] بل عالما بصحّة قول موسى ، لقول موسى له : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ) ـ الآية ـ (١) لما تكلّف ذلك البنيان العظيم وإن كان جاهلا بصفاته حيث حسب أنّه في مكان وأنّه يطّلع عليه كما [كان] يطّلع عليه إذا قعد في علّيّته. (٢)
(فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً). فبنى له هامان في الهواء صرحا حتّى بلغ مكانا لا يتمكّن الإنسان أن يقيم عليه من الرياح وقال لفرعون : لا نقدر أن نزيد على هذا. فبعث الله رياحا رمت به. فأخذ فرعون التابوت وعمد إلى أربعة أنسر فراخا [و] ربّاها. حتّى إذا بلغت واشتدّت ، عمدوا إلى جوانب التابوت الأربعة فغرزوا في كلّ جانب منه خشبة وجعلوا على كلّ خشبة لحما. وجوّعوا الأنسر وشدّوا أرجل كلّ نسر بخشبة. فنظرت الأنسر إلى اللّحم فوثبت إليه وصفقت (٣) بأجنحتها وارتفعت في الهواء. فطار يومها فقال لهامان : انظر إلى السماء هل بلغناها. فقال : أراها كما كنت أراها وأنا على الأرض في البعد. [فقال : انظر إلى الأرض.] فقال : لا أرى الأرض ولكنّى أرى البحار. حتّى جنّهم اللّيل ، قال فرعون لهامان : هل بلغنا السماء؟ قال : أرى الكواكب كما كنت أراها وأنا على الأرض. ثمّ جالت الرياح القائمة في الهواء فأقبلت (٤) التابوت. فلم يزل يهوي إلى الأرض. فكان في ذلك أشدّ ما كان عتوّا. (٥)
[٣٩] (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩))
__________________
(١) الإسراء (١٧) / ١٠٢.
(٢) الكشّاف ٣ / ٤١٣ ـ ٤١٤.
(٣) كذا في كنز الدقائق ١٠ / ٧٢. وفي النسخة : «سفت». وفي المصدر المطبوع : (... إلى اللحم فأهوت إليه بأجنحتها ...)
(٤) كذا في النسخة والمصدر.
(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ١٤٠ ـ ١٤١.